لماذا خلق الله كل هذا الكون ولم يستثمر غير الارض لاسكان البشر ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منَ الأمورِ المُسلّمةِ التي تُمثّلُ ركيزةً يفهمُ بها الإنسانُ عالمَ الخلقِ والوجودِ هو أنَّ اللهَ لم يخلِق كلَّ ذلكَ عبثاً وإنّما هناكَ حِكمة، قالَ تعالى: (وَمَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقنَاهُمَا إِلَّا بِالحَقِّ وَلَكِنَّ أَكثَرَهُم لَا يَعلَمُونَ) فكلُّ ما هوَ مخلوقٌ خُلقَ لحِكمةٍ وسُخّرَ لغايةٍ مُحدّدة، وليسَ بالضّرورةِ أن يُحيطَ الإنسانُ علماً بهذهِ الحِكمةِ على وجهِ الدّقّةِ والتّحديدِ، فإذا إعتبرنا مثلاً أنَّ الحِكمةَ مِن خلقِ الأرضِ هو أن تكونَ مكاناً مناسباً لسكنِ الإنسانِ فإنَّ ذلكَ لا يستوجبُ أن تكونَ بقيّةُ الكواكبِ كذلك، فقد يكونُ وجودُها بالشكلِ الذي عليه هوَ الذي يجعلُ الأرضَ مكاناً مناسباً لسكنِ الإنسانِ، فما زالَ العلمُ يدرسُ الفيزياءَ الكونيّةَ ومدى الترابطِ الدّقيقِ الذي يجمعُ أجزاءَ الكونِ، والتّطلّعُ العلميُّ للإنسانِ يُمثّلُ بنفسِه حِكمةً مِن خلقِ هذا الكونِ الفسيحِ، فعندَما يسعى الإنسانُ إلى معرفةِ الكونِ والإحاطةِ بنظامِه الدّقيقِ يكونُ قد وقفَ على عظمةِ اللهِ وقُدرتِه، قالَ تعالى: (سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ ۗ أَوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ)، فأهمُّ ما يُميّزُ الإنسانَ هوَ إمكانيّة العلمِ والمعرفةِ وهذا الكونُ بما فيه مِن حقائقَ يمثّلُ مادّةً رحبةً لتكاملِ الإنسانِ علميّاً ومعرفيّاً، وقد حفّزَ القرآنُ الإنسانَ على ذلكَ، قالَ تعالى: (يَا مَعشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ استَطَعتُم أَن تَنفُذُوا مِن أَقطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلطَانٍ) وقَد فُسّرَ السّلطانُ بالعلمِ، أي أنَّ الإنسانَ باستطاعتِه أن ينفذَ إلى أقطارِ السّماواتِ والأرضِ من خلالِ العلم، وبالتالي ليسَت حاجةُ البشريّة مكاناً مناسباً للسكنِ فإنَّ الأرضَ كافية لذلك وإنّما للإنسانِ حاجاتٌ أخرى منها العلمُ والمعرفةُ والكونُ الفسيح يُحقّقُ له ذلك.
وعليه فإنَّ كلَّ شيءٍ في هذا الكونِ الفسيحِ مُستثمرٌ بالشّكلِ الذي يناسبُه، والبابُ مفتوحٌ أمامَ الإنسانيّةِ للعلمِ والمعرفةِ مِن خلالِ دراسةِ هذا الكونِ والوقوفِ على غاياتِه وأهدافِه. ومنَ المؤكّدِ أنَّ هناكَ الكثيرَ منَ الأسرارِ التي لا يمكنُ للإنسانِ معرفتُها فمهما بلغَ الإنسانُ مِن قدراتٍ يظلُّ عاجزاً أمامَ عظمةِ اللهِ التي تجلّت في هذه الخليقة.
اترك تعليق