هل الجهلُ مِن موانعِ التّكفير ؟
ما حكمُ مَن فعلَ كُفراً وهوَ جاهلٌ، هَل يجوزُ تكفيرُه؟ وهَل مَن لا يعلمُ أنَّ الجهلَ مانعٌ منَ التّكفير أو كانَ شاكّاً في ذلكَ، هَل يحقُّ لهُ أن يُكفّرَ فاعلَ الكُفر؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
منَ المسائلِ المُتّفق عليها أنَّ الجهلَ مِن موانعِ التّكفير، ويقصدُ مِن ذلكَ أنَّ الجاهلَ الذي يتفوّهُ أو يفعلُ ما يستتبعُ الكفرَ يكونُ معذوراً ولا يترتّبُ عليهِ أحكامُ الكافر، لكونِه لا يعي خطرَ ما يقول أو يفعل، ومِن هُنا لا يكونُ مُطلقُ الجهلِ مانعاً، وإنّما المعذورُ في جهلِه هوَ المعذورُ في كُفره، كالذي لا يتمكّنُ مِن دفعِ الجهلِ وإزالتِه، مثل الإنسانِ القاصرِ الذي لا يقدرُ على طلبِ العلمِ وليسَت لهُ وسيلة للتّعلّمِ، أو لم يصلهُ الحقُّ بأيّ شكلٍ منَ الأشكالِ، أمّا مَن لم يكُن معذوراً في جهلِه كالمُعرضِ عنِ العلمِ معَ تمكّنِه مِن طلبِه لا يكونُ معذوراً في كُفرِه، وذلكَ كالمُستخفِّ بدينِه والمُتهاونِ في عقائدِه وأحكامِه، والمعارضِ لأهلِ الدّينِ والعلمِ، فإنّهُ وإن كانَ جاهِلاً إلّا أنَّ جهلَه كانَ عَن تقصيرٍ وليسَ قصور، فمَن يُجاهر بالكُفرِ في الوسطِ الإسلاميّ مثل بعضِ الشّبابِ المفتونِ بالثّقافةِ الغربيّةِ أو ببعضِ التّيّاراتِ العلمانيّةِ المُتطرّفةِ، يتهجّمونَ على الإسلامِ وعقائدِه وأحكامِه وهُم جاهلونَ بحقيقةِ الإسلامِ ولا يريدونَ أن يعرفوا حقيقتَه، فمثلُ هؤلاءِ لا يمكنُ إيجادُ العذرِ لهم، وإلّا أصبحَ أمرُ الدّينِ والعقيدةِ فوضى يتلاعبُ بهِ أصحابُ الأهواءِ والأغراض.
ومنَ المسائلِ المُتّفقِ عليها بينَ جميعِ المُسلمينَ هيَ ضرورةُ أن يتعلّمَ الإنسانُ ما يدخلهُ في الإسلام وما يخرجهُ منه، ولذا حكموا بوجوبِ تعلم المسلم أصولَ دينهِ وما يتعبّدُ به من أحكام وتشريعات، وليس المقصودُ أن يتحوّلَ جميعُ المسلمينَ إلى علماءَ وفقهاء وإنما المقدارُ الذي يمنعُ الإنسانَ من الكفر وما يسمحُ له من أداءِ عباداتهِ بالشكل الصحيح، والذي يجهلُ بهذا لتقصيرٍ منه لا يكونُ معذوراً إذا وقعَ منه الكفر.
ومع ذلك إنّ الحكمَ على الاخرينَ بالكفر ليس بالأمر الهيّن فإذا تركَ من دون ضوابط لتحوّل الأمرُ إلى فوضى يفتكُ بالمجتمع الإسلامي، فالإنسانُ المسلم المعتزُ بهويته وإنتمائهِ للإسلام لا يجوزُ اسقاط هذه الهوية عنه لمجرّدِ الإختلافِ معه في التوجّه والفهم، ومن هنا كان الكلامُ عن مانعية الجهل للتكفير من أجلِ حماية المجتمع الإسلاميّ من فوضى الغلوّ والتطرّف، فصاحبُ كلّ توجّهٍ مع أنهُ يرى مَن خالفهُ جاهلاً إلا أنه لا يحقّ له تكفيرهُ وإخراجهُ عن دائرةِ الإسلام، وفي المقابل يجبُ أيضاً حماية الدين من عبثِ العابثين فلا يعذرُ من يستخفّ بالإسلام وعقائده بحجة أنهُ جاهلٌ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ)، وعليه إذا اعتبرنا (الجهلُ مانعٌ من التكفير) قاعدةٌ متسالمٌ عليها يجب أن يكون فهمها في الحدّ الوسط بين أن لا يكون الدينُ فوضى في يد أهل الأهواء، وبين أن لا يكونَ المجتمعُ الإسلاميّ فوضى يكفّرُ بعضهم بعضاً، فلا يسمحُ لأهل الزيغِ والإنحلال التهكمُ والمجاهرة بالكفر، وفي نفس الوقتِ لا يسمحُ بإسقاطِ الهويةِ الإسلامية عن من يعتزّ بالإنتماء للإسلام.
اترك تعليق