إثباتُ نبوّةِ الأنبياء   

كيفَ نعرفُ المُتّصلَ باللهِ وأنَّ دعواهُ حقٌّ سواءٌ كانَ المُدّعي نبيّاً أو إماماً؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

هناكَ بحوثٌ مُفصّلةٌ في كتبِ الكلامِ حولَ الطّرقِ التي تثبتُ بها نبوّةُ النّبيّ وأنّهُ مبعوثٌ حقّاً منَ اللهِ تعالى، وقبلَ الإشارةِ إلى بعضِ تلكَ الطّرقِ لابُدَّ منَ التّنويهِ بأنَّ النّبوّةَ قَد خُتمَت بالنّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأنَّ الإمامةَ حُصرَت في الأئمّةِ الإثني عشر مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ولا مجالَ لكائنٍ مَن كان أن يدّعي أنَّ لهُ إرتباطاً باللهِ يستوجبُ نوعاً منَ السّفارةِ الخاصّةِ أو يحملُ توجيهاً أو تكليفاً للعباد.  

أمّا طرقُ الوثوقِ في نبوّةِ النّبيّ فيمكنُ تلخيصُها في الآتي: 

1- إنَّ حدوثَ العلمِ لدى الإنسانِ لهُ طرقٌ مُتعدّدةٌ وبأيّ طريقٍ حدثَ العلمُ وتحقّقَ الإطمئنانُ وجبَ على الإنسانِ التّصديقُ والجزمُ، ومنَ الطّرقِ المعمولِ بها لمعرفةِ الصّادقِ منَ الكاذبِ عندَ جميعِ العُقلاءِ هيَ التّحقيقُ في ما يقول، فإن كانَ مُطابِقاً للحقيقةِ والواقعِ فهوَ صادقٌ وإلّا فكاذبٌ، وما جاءَ بهِ الأنبياءُ عليهم السّلام مُطابقٌ لمُحكماتِ العقلِ ومنسجمٌ معَ واقعِ الفطرةِ الإنسانيّةِ، ومِن هُنا تمكّنَ الأنبياءُ مِن تحدّي الجميعِ بما عندَهُم مِن علومٍ ومعارف، قالَ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ ۚ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا) وعليهِ فإنَّ النّظرَ في محتوى الرّسالةِ والتّدبّرَ في مضامينِها كافٍ لإثباتِ كونِه مبعوثاً منَ اللهِ أم لا، ولِذا لم يصمُد مَن إدّعى النّبوّةَ كذباً أمامَ هذا الإمتحانِ حيثُ وقعوا في التّناقضِ والتّهافتِ مُضافاً للإنحرافاتِ السّلوكيّةِ والنّفسيّةِ، وفي المقابلِ لَم يثبُت في حقِّ الأنبياءِ الذينَ بعثَهُم اللهُ أيُّ هفوةٍ أو خطأٍ بَل كانوا معصومينَ في كلِّ أفعالِهم وأقوالِهم، أمّا الذينَ عاندوهم ولم يستجيبوا لهُم لم تكُن لهُم حُجّةٌ في مقابلِ ما للأنبياءِ مِن حُججٍ، بل قادَهُم هواهُم ومنعَتهُم مصالحُهم منَ الإستماعِ للحقِّ، قالَ تعالى: (فَإِن لَّم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم ۚ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ)، فلا عُذرَ لهُم بعدَ أن أقامَ اللهُ الحُجّةَ عليهم، قالَ تعالى: (فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ) أي أنَّ كلَّ مَن بعثَهُ اللهُ برسالةٍ أظهرَ حُجّتَه على الجميعِ فمَن كفرَ بعدَ ذلكَ إنّما يكفرُ عَن بيّنة.  

ويمكنُ أن يضافَ إلى ذلكَ الإعتمادُ على القرائنِ والشّواهدِ التي تُوجبُ الثّقةَ والإطمئنانَ بصدقِ الرّسلِ والأنبياءِ، مثل صلاحِ السّيرةِ، وسلامةِ السّريرةِ، وإستقامةِ السّلوكِ، كحالِ النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قبلَ بعثتِه الشّريفة. 

2- يمكنُ إثباتُ نبوّةِ النّبيّ مِن خلالِ بشارةِ النّبيّ السّابقِ، وهذا الطّريقُ خاصٌّ بأهلِ الكتابِ، فمثلاً فيما يتعلّقُ بنبوّةِ النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فقَد بشّرَ بهِ نبيُّ اللهِ عيسى (عليه السّلام) قالَ تعالى: (وَإِذ قَالَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ يَا بَنِي إِسرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّورَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأتِي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَدُ) وبذلكَ تكونُ هذهِ البشارةُ حُجّةً مُلزمةً لا يجوزُ التّمرّدُ عليها. 

3-  ومِن طُرقِ إثباتِ النّبوّةِ إظهارُ المُعجزةِ وبخاصّةٍ في وجهِ مَن لم يرضَخ لحكمِ العقلِ ولم يستمِع إلى صوتِ الوجدانِ، والمعجزةُ في حقيقتِها إحداثُ أمرٍ على خلافِ العادةِ، وخرقٌ لقوانينِ الطّبيعةِ بالشّكلِ الذي لا يمكنُ حدوثُه ما لم يكُن صاحبُها مُتّصلاً باللهِ خالقِ الكونِ، وبذلكَ تكونُ دليلاً على صدقِ نبوّتِه وأنّهُ مُؤيّدٌ منَ اللهِ ومبعوثٌ مِن طرفِه، وقد إصطلحَ عُلماءُ الكلامِ على الأمرِ الخارقِ للعادّةِ حينَ يصدرُ دليلاً على نبوّةِ النّبيّ ويكونُ مُستنِداً على الإذنِ الإلهيّ بالمُعجزةِ، ويمكنُ تعميمُ مفهومِ المُعجزةِ ليشملَ الأمورَ الخارقةَ للعادةِ من قِبلِ الأئمّةِ والأوصياءِ المعصومينَ، وذلكَ لتوفّرِ مناطِ المعجزةِ مِن خرقِ العادةِ والإستنادِ على الإذنِ الإلهيّ المُرافق لإظهارِ الحقّ، وقد إصطلحَ البعضُ على المعاجزِ التي تظهرُ مِن غيرِ الأنبياءِ بمُصطلحِ (الكرامةِ)، في مقابلِ خوارقِ العاداتِ التي تصدرُ منَ المُرتاضينَ وأصحابِ القوى النّفسانيّةِ والشّيطانيّةِ مثلَ السّحرةِ والكُهّانِ، وهيَ وإن كانَت أعمالاً خارقةً للعادةِ إلّا أنّها قابلةٌ للتّعلّمِ بخلافِ المعاجزِ والكرامات.  

أمّا إثباتُ إمامةِ الإمامِ مِن بعدِ النّبيّ فهيَ تعتمدُ في المقامِ الأوّلِ على النّصِّ الصّادرِ مِن صاحبِ الرّسالةِ، مُضافاً إلى إستغناهُم عنِ الكلِّ وحاجةِ الكُلِّ إليهِم.