هل يمكن أنسنة النصوص الإسلامية (القرآن والسنة) ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وُجدَ مصطلحُ الأنسنةِ كمقابلٍ للمُصطلحِ الأوربي (هيومانيزم Humanisme) ومنَ الواضحِ أنَّ هذا المُصطلحَ قد يُوظّفُ في أبعادٍ وميادينَ مُتعدّدةٍ، إلّا أنَّ الذي يهمُّنا هوَ توظيفُ المُصطلحِ فيما يتعلّقُ بالنّصِّ القرآنيّ، حيثُ إرتبطَ هذا المُصطلحُ في الوسطِ الإسلاميّ بالمشروعِ الحداثيّ الذي يعملُ على تقديمِ قراءةٍ جديدةٍ للنّصوصِ الدينيّةِ، حيثُ تقومُ هذهِ القراءةُ على عدمِ الإعترافِ بصورةٍ تراثيّةٍ للإسلامِ، وإنّما يخضعُ التّراثُ بما فيهِ النّصُّ القرآنيُّ إلى آليّاتِ التّطوّرِ الذي تفرضُه تاريخيّةُ المعرفةِ، وبذلكَ يتحوّلُ النّصُّ الإسلاميُّ منَ التّصوّرِ الإلهيّ والمُقدّسِ والمُطلقِ، إلى مجرّدِ نصٍّ إنسانيٍّ نسبيٍّ ومتحرّكٍ تبعاً لمحدوديّةِ الإنسانِ التي يفرضُها الإطارُ التّاريخيُّ والثقافيُّ والإجتماعيّ، وضمنَ هذا التّصوّرِ لا يحتفظُ النّصُّ بأيّ مقاصدَ أرادَ النّصُّ إيصالها للإنسانِ، وإنّما المُؤولُ هوَ الذي يُوجدُ لهُ المعاني بحسبِ موقعِه التّاريخي، وحتّى يكونَ للمؤوّلِ قدرةٌ على تسخيرِ النّصِّ بالشكلِ الذي يُمرّرُ فيهِ أفكارَه الخاصّةَ لابدَّ أن يعملَ أوّلاً على فكِّ الإرتباطِ بينَ القرآنِ وبينَ اللهِ، بمعنى أن يكونَ القرآنُ مُجرّدَ مُنتجٍ إنسانيٍّ شأنُه شأنُ أيِّ نصٍّ أدبيٍّ، وبهذا الشّكلِ يصبحُ القرآنُ خاضعاً للتّغيّرِ المُستمرِّ وبالتّالي خاضعاً لتأويلاتٍ غيرِ نهائيّةٍ، وبعبارةٍ واضحةٍ لا يكونُ القرآنُ مُعبّراً عَن حقيقةٍ وإنّما الحقيقةُ هيَ التي يمليها الإنسانُ بحسبِ موقعِه التّاريخيّ، وبذلكَ تصبحُ كلُّ التأويلاتِ صحيحةً لأنَّ كلَّ تأويلٍ يحكي عَن موقعِه التّأويليّ، وبهذا الشكلِ ينتفي وجودُ شيءٍ إسمُه إسلام يجبُ على الجميعِ الرّجوعُ إليِه وإنّما إسلامُ كلِّ شخصٍ هوَ ما يفهمُه.
ومِن هُنا لا يمكنُ قبولُ أنسنةِ القرآنِ لأنّها تقومُ أساساً على نكرانِ الوحي وكونِ القرآنِ نزلَ منَ اللهِ على النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليه وآله) مِن دونِ أن يكونَ للنّبيّ فيهِ أيُّ تصرّفٍ غير تبليغِه للنّاس.
اترك تعليق