ماهو المنهج الصحيح لدراسة علمي الفلسفة والمنطق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يبدو أنَّ السّائلَ لا يقصدُ الطّريقةَ الإجرائيّةَ في دراسةِ الفلسفةِ والمنطقِ؛ لأنَّ دراسةَ أيّ علمٍ تقومُ على التّدرّجِ مِن خلالِ شرحِ المبادئِ الأوليّةِ ومِن ثمَّ السّيرِ في مطالبِه إلى نهايةِ المطافِ، وهذا ما عليهِ المدارسُ والجامعاتُ وكلُّ المعاهدِ التعليميّةِ، والفلسفةُ والمنطقُ مِن هذهِ النّاحيةِ ليسَ لها خصوصيّةٌ تجعلُ منهجَها الدّراسيَّ مُختلفاً، ومِن هُنا يجبُ أن نحملَ السّؤالَ على المحاذيرِ التي يتجنّبُها الدّارسُ للفلسفةِ حتّى لا يقعَ في تبنّي أفكارٍ مُخالفةٍ للعقيدةِ والمُسلّماتِ الإسلاميّة.
منَ المعلومِ أنَّ الفلسفةَ وبخاصّةٍ فلسفةَ الإلهيّاتِ تتعرّضُ لكثيرٍ منَ المسائلِ التي تعرّضَت لها رسالاتُ الأنبياءِ، وعليه فإمكانيّةُ التّوافقِ والإختلافِ بينَهُما موجودةٌ، وبما أنَّ الفلسفةَ تقومُ على البرهانِ العقليِّ المُجرّدِ فحينَها لا تكترثُ لموافقةِ الشّرعِ أو مخالفتِه، فكلُّ ما يسعى إليهِ الفيلسوفُ هوَ الوصولُ إلى الحقيقةِ بجهدِه الخاصِّ وبقدرِ طاقتِه البشريّةِ، ومنَ الواضحِ أنَّ الشّرعَ لا يتعارضُ معَ العقلِ الفطريّ فلا إشكالَ مِن هذهِ النّاحيةِ وإنّما الإشكالُ في ما عليهِ المدارسُ الفلسفيّةُ مِن تباينٍ حولَ مقارباتِها للبرهانِ العقليّ نفسِه، ومِن هُنا وقعَ الإختلافُ بينَ الفلاسفةِ حتّى داخلَ الوسطِ الإسلاميّ، فمثلاً شكّلَ الفارابيُّ وإبنُ سينا مشرباً فلسفيّاً يتباينُ معَ المشربِ الفلسفيّ لابنِ رشدٍ، وأقامَ صدرُ الدّينِ الشيرازيّ مشرباً خاصّاً تباينَ فيهِ معَ الجميعِ، وقد عملَ جميعُهم كلٌّ بحسبِ مدرستِه ورؤيتِه الفلسفيّةِ على توحيدِ الفلسفةِ والشريعةِ، فألّفَت في ذلكَ كتبٌ مثلُ كتابِ (فصلُ المقالِ وتقريرُ ما بينَ الشريعةِ والحِكمةِ مِن إتّصال) لابنِ رشد، وغير ذلكَ منَ المحاولاتِ التي حاولت تقديمَ الفلسفةِ بالشكلِ الذي لا يتصادمُ معَ الشّريعةِ الإسلاميّةِ، إلّا أنَّ هذهِ المحاولاتَ ظلّت محلَّ إعتراضِ الفقهاءِ والمُتكلّمينَ، وذلكَ لكونِها تقومُ على تأويلِ الشّرعِ بما يتوافقُ معَ الفلسفةِ، وقد أشارَ السّيّدُ الطباطبائي إلى تورّطِ الفلاسفةِ في تأويلِ النّصوصِ بما يخدمُ توجّهاتِهم الفلسفيّةِ بقولهِ: "وأمّا الفلاسفةُ، فقد عرضَ لهم ما عرضَ للمُتكلّمينَ منَ المُفسّرينَ، منَ الوقوعِ في ورطةِ التطبيقِ، وتأويلِ الآياتِ المُخالفةِ بظاهرِها للمُسلّماتِ في فنونِ الفلسفةِ بالمعنى الأعمِّ، أعني: الرّياضيّاتَ والطبيعيّاتِ والإلهيّات والحكمة العمليّة، وخاصّةً المشّائينَ، وقد تأوّلوا الآياتِ الواردةَ في حقائقِ ما وراءَ الطّبيعةِ وآياتِ الخلقةِ وحدوثِ السّماواتِ والأرضِ) (الميزانُ في تفسيرِ القرآن ج1 ص 6) وهكذا شهدَ التّاريخُ الإسلاميُّ جدلاً واسعاً بينَ الفقهاءِ والمُتكلّمينَ والفلاسفةِ، وقد ألّفَ الغزاليُّ كتابَه (تهافتُ الفلاسفةِ) الذي حكمَ فيهِ بكُفرِ الفلاسفةِ في ثلاثِ مواردَ وبالإبتداعِ في سبعةَ عشرَ موضعٍ آخر، وقد ردَّ عليهِ إبنُ رشد في ما بعد بكتابِه (تهافتُ التّهافت).
وليسَ منَ الإنصافِ الحُكمُ على أيّ توجّهٍ بناءً للميلِ الشّخصيّ للإنسانِ، ففي داخلِ الوسطِ الإسلاميّ هناكَ مَن ينظرُ للفلسفةِ بعينِ القداسةِ والبعضُ الآخرُ يرى فيها كُفراً وضلالاً، وعليهِ لا يمكنُ حظرُ الفلسفةِ بقرارٍ فقد أصبحَت واقِعاً ملموساً لا يمكنُ للدّارسِ تخطّيهِ، وفي نفسِ الوقتِ يجبُ الحيطةُ والحذرُ في دراستِها وذلكَ بالرّجوعِ أوّلاً إلى معارفِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) لأنّها تُشكّلُ الضّمانَ والحصنَ للمعارفِ الإسلاميّةِ، فمَن يدرسُ الفلسفةَ ويتشبّعُ بما فيها مِن مبادئَ قبلَ دراستِه لمعارفِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) سوفَ يقعُ في محذورِ تأويلِ كلماتِهم بما يتماشى معَ المبادئِ التي قرّرَها أوّلاً، وعليهِ فالمنهجُ السّليمُ في دراسةِ الفلسفةِ يقومُ على التّتلمذِ أوّلاً على القرآنِ ورواياتِ أهلِ البيتِ على يدِ العُلماءِ الموثوقينَ ومِن ثمَّ يمكنُه دراسةُ الفلسفةِ وحينَها سيكتشفُ عظمةَ ما جاءَ بهِ أهلُ البيتِ مِن علومٍ ومعارفَ، أمّا المنطقُ فهوَ علمٌ آليٌّ يُدرَسُ لغيرِه وليسَ لنفسِه، ومِن هُنا لا يدخلُ في مسائلِ العقيدةِ إلّا مِن بابِ كونِه مقدّمةً للبحوثِ الفلسفيّة.
اترك تعليق