ملحد يقول: مقولة أنّ الله لا يُحدّ بزمان أو مكان، مخالفة للواقع.
نص الإشكال: أنتم تقولون أنّ الله لا يحدّه شيء، وهذا مخالف للقواعد المنطقية والعلمية، لأنّ كلّ شيء لابدّ من أنْ يحدّه شيء، مثل الزمان والمكان لكي يتحرك، فإذا قلنا أنّ الله لا يحدّه شيء، ويتحرك خارج الزمان والمكان فهنا سوف نقع في فرضية مخالفة الواقع.
تقرير الإشكال: إنّ الواقع يفرض أنّ كلّ شيء لا بدّ وأنْ يكون محدوداً بالزمان والمكان حتى يتحرك فيهما، فالقول بأنّ الله لا يُحدّ بزمان أو مكان، مخالف للواقع.
جواب الإشكال إجمالاً:
إنّ قانون إحاطة الزمان والمكان صحيح في الممكنات، باطل في خالقها، مع أنّ الله خلق الزمان والمكان فكيف يُحيطانه؟! وأما حركة الله في الزمكان فباطلة، لكونها ناجمة عن الجهل بالله تعالى، لأنّ الذي يحتاج إلى الحركة هو من يخلو منه الزمان والمكان، وهو ليس كذلك.
جواب الإشكال تفصيلاً:
أولاً: إنّ الله تعالى خلق الزمان والمكان، لما ثبت بالقطع واليقين "أنّ الله خالق كلّ شيء" فهذا يعني أنّه فوق قوانينهما، لأنّه كان قبلهما، والموجود فوق الزمان والمكان لا يمكن أنْ يكون وجوده فيهما من نوع وجودهما ولا من نوع وجود ما خلقه فيهما.
ثانياً: لقد دلتْ الأدلة القاطعة على أنّ الله تبارك وتعالى (خالق كلّ شيء)، وهذا يدل بكلِّ وضوح على أنّ كلّ ما سواه تعالى فهو مخلوق له، ومن ضمن مخلوقاته الزمان والمكان.
فوجوده تبارك وتعالى قبل الزمان، قبلية تقاس بالنسبة إلى الذات المقدسة، لا بالنسبة إلى الزمان، وإلاّ لزم تقدّم الزمان على نفسه، "فيكون وجوده قبل الزّمان قبلية بالذّات- لا بالزمان- وإلاّ لزم تقدّم الزمان على نفسه وهو محال.
فإذن حيث هو تعالى لا زمان ولا حركة ولا تغير أصلاً، فهو تعالى أوّل بما هو آخر، وآخر بما هو أوّل، ونسبته إلى الآزال والآباد نسبة واحدة ومعيّة قيّومية غير زمانية".
ثالثاً: لما لمْ يكنْ زمان قبل الله تعالى، إذن لمْ يكنْ مكان، لأنكم تقولون في تعريف الزمان بأنّه "حركة المكان" فلمّا لمْ يكنْ زمان إذنْ لمْ يكنْ مكان.
رابعاً: إنّ إحاطة الزمان والمكان بكلِّ شيء صحيح في الجملة لا بالجملة، لأنّ هذا القانون إنما يسري في الماديات والممكنات، أما في واجب الوجود الذي خلق الزمان والمكان، فلا.
خامساً: لو تنازلنا عن كلِّ ذلك، وقلنا بأنّه - تعالى عن ذلك علواً كبيراً - موجود في الزمان والمكان، وأنّه محاط بهما، فلنا أنْ نسأل سؤال, وهو: أيهما أسبق أ هو الله, أم الزمكان؟، فإنْ كان هو الله بطل ما تقولون من لا بدية إحاطة الموجودات بالزمان والمكان، وإنْ كان الزمان والمكان هو السابق، لزم انقلابهما من مخلوقَين إلى خالقين، وعنده نسأل عمنْ خلقهما وأوجدهما، فهما إما أنْ يكونا هما منْ خلقا أنفسهما، بأنْ أوجدوا كلّ واحد منهما نفسه من العدم، وهذا ما لا ترضوه لنا حينما قلنا بأنّ الله أوجد الوجود من العدم، أو أنْ يكونا مخلوقين لخالق آخر حتى يذهب الأمر إلى التسلسل الباطل.
سادساً: وأما قولكم: " فإذا قلنا أنّ الله لا يحدّه شيء، ويتحرك خارج الزمان والمكان، فهنا سوف نقع في فرضية مخالفه الواقع ".
فهذا الإشكال "نسبة الحركة الى الله" نابع عن الجهل بالله تعالى، لأنّه تبارك وتعالى محيط بالزمان والمكان ولا يخلوان منه أبداً، والذي يتحرك هو من يخلو منه الزمان والمكان، وأما هو تبارك وتعالى فهو مستغن عن الحركة لإحاطته بكلِّ شيء، إذ لا يخلو منه مكان أو زمان، فالحديث عن الحركة سالبة بانتفاء الموضوع.
خلاصة الجواب:
1- إنّ الله خالق الزمان والمكان وواجدهما من العدم، فلا يمكن أنْ يكون فيهما.
2- إنّ عدم وجود الزمان النسبي قبل الله، يدلّ على عدم وجود المكان، لأنّ الزمان هو حركة المكان.
3- إنّ قانون لا بديّة إحاطة الزمان والمكان "النسيج الزمكاني" في الموجودات، صحيح بالنسبة إلى الممكنات، وهو خطأ بالنسبة لواجب الوجود تبارك وتعالى, لأننا إذا قلنا بأنّ الله يحتويه "الزمكان ",عندها نسأل سؤال عن أيهما أسبق: أ هو الله, أم الزمكان؟، فإنْ كان هو الله، بطل ما تقولون من لا بديّة إحاطة الموجودات بالزمان والمكان، وإنْ كان الزمان والمكان هو السابق، لزم انقلابهما من مخلوقَين إلى خالقَين، وعندها نسأل عمنْ خلقهما وأوجدهما، فهما إما أنْ يكونا من خلقا أنفسهما، بأنْ أوجدا أنفسهما من العدم، وهذا ما لا ترضوه لنا حينما قلنا بأنّ الله أوجد الوجود من العدم، أو أنْ يكونا مخلوقَين لخالق آخر حتى يذهب الأمر إلى التسلسل الباطل.
اترك تعليق