في ما وردَ في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرةِ.. أرواحُكم في الأرواحِ ونفوسُكم في النّفوسِ... إلى وقبورُكم في القبورِ... ما معنى ذلكَ
السّلامُ عليكم ورحمة اللهِ وبركاتُه،
ذكرَ العُلماءُ معانيَ وتفسيراتٍ مُتعدّدةً للفقراتِ الواردةِ في الزّيارةِ الشريفةِ الموسومةِ بالجامعةِ الكبيرةِ: « ذِكرُكُم فِي الذَّاكِرِينَ وَأسماؤُكُم فِي الاَسَّماء وَأَجسادُكُم فِي الاَجسادِ وَأَرواحُكُم فِي الارواحِ وَأَنفُسُكُم فِي النُّفُوسِ وَآثارُكُم فِي الاثارِ وَقُبُورُكُم فِي القُبُورِ فَما أَحلى أَسمائكُم وَأَكرَمَ أَنفُسَكُم وَأَعظَمَ شَأنَكُم وَأجَلَّ خَطَرَكُم وَأَوفى عَهدَكُم وَأَصدَقَ وَعدَكُم.. »، نذكرُ بعضَها:
الأوّلُ: أنّ ذكرَكم الشّريفَ وإن كانَ في الظاهرِ مذكوراً بينَ الذّاكرينَ، فيذكرونَكم ويذكرونَ غيرَكم، لكن لا نسبةَ بينَ ذكرِكم وذكرِ غيرِكم، مِن جهةِ ما لكم مِن كمالِ الإمتيازِ والسّموّ والرّفعةِ والقدرِ والمنزلة. وكذا بقيّة الفقرات. والقرينةُ على هذا المعنى قوله: « فَما أَحلى أَسمائكُم.. » المفيدُ للإمتياز.
وهذا المعنى ذكرَه العلّامة ُالمجلسيُّ في [ملاذِ الأخيارِ ج9 ص273]، وقالَ السيّدُ عبدُ اللهِ شُبّر في [الأنوارِ اللامعةِ ص188] بعدَ ذكرِه: « وهذا المعنى أحسنُ المعاني وأوضحُها ».
الثاني: أنّ الأخبارَ في هذهِ الفقراتِ هيَ الأحسنيّةُ المحذوفةُ، وتُقدَّرُ بما يناسبُها، يعني: ذكرُكم في الذّاكرينَ أحسنُ الذّكرِ، وأسماؤكم في الأسماءِ أحسنُ الأسماءِ، وأجسادُكم في الأجسادِ أحسنُ الأجسادِ، وهكذا بقيّةُ الفقراتِ. وهذا الوجهُ إحتملَه الفاضلُ التفرشيّ [ينظر: الفقيهُ ج2 ص616 الحاشية].
الثالثُ: أن يكونَ المعنى أنّهُ ينبغي أن يكونَ ذكرُكم مذكوراً على ألسنةِ الذاكرينَ وكذا أسماؤكم والباقي بمعنى أنَّ مَن أرادَ أن يذكُرَ أحداً بمدحٍ فينبغي أن لا يذكرَ غيرَكم ومَن أرادَ الثّناءَ على الأسماءِ والأرواحِ والأجسادِ والنفوسِ فليسَ له أن يتجاوزَكم إلى غيرِكم. وهذا المعنى إحتملَه السيّدُ شُبّر في [الأنوارِ اللامعةِ ص189]، وقالَ: « وهذا المعنى لا يخلو مِن لطفٍ إلّا أنّه بعيدٌ منَ اللّفظ ».
الرّابعُ: أن يكونَ المعنى إذا ذكرَ الذاكرونَ اللهَ بمدحٍ أو ثناءٍ فأنتُم داخلونَ فيهم لأنّكم ساداتُ الذّاكرينَ، وكذا إذا ذُكرَت الأسماءُ الشريفةُ والأوصافُ المنيفةُ والأرواحُ الطيّبةُ والأجسادُ الطّاهرةُ والأنفسُ السّليمةُ والعقولُ المُستقيمةُ ونحو ذلك، فأسماؤكم وأرواحُكم وأجسادُكم ونفوسُكم داخلةٌ في ذلكَ لأنّكم سادةُ السّاداتِ وقادةُ الهُداة. وهذا المعنى إحتملَه أيضاً السيّدُ شُبَّر في [الأنوارِ اللامعةِ ص188].
الخامسُ: أنّها تعني الولايةَ والسّلطنةَ، بمعنى أنّ لهُم ولايةً نافذةً في كلِّ شيءٍ بواسطةِ أسمائِهم وأجسادِهم وقبورِهم و..، فكلُّ ما يرتبطُ بهِم مِن أسماءٍ وقبورٍ وأجسادٍ مؤثّرٌ في الأشياءِ الأخرى قبوراً أو أجساداً أو غيرَ ذلك. وهذا المعنى إحتملَه بعضُ المُعاصرين.
السّادسُ: أن يكونَ المعنى أنَّ ذكرَكم وأسماءكم وأرواحَكم وسائرَ ما ذُكرَ بمنزلةِ المظروفِ وجميعَ ذلكَ مِن غيرِكم بمنزلةِ الظّرفِ فشرافةُ هذهِ الأشياءِ منكمُ كشرافةِ المظروفِ على الظرفِ وإمتيازِه. وهذا المعنى إحتملَه السيّدُ شبر، وعقّبَه بقولِه: «ولا يخلو مِن بُعد ».
السّابعُ: الإشارةُ إلى الوجودِ النوري؛ فإنَّ أوّلَ ما خلقَ اللهُ أنوارَ أهلِ البيتِ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعينَ، فقالَ في الزيارةِ « خَلَقَكُمُ الله أَنواراً فَجَعَلَكُم بِعَرشِهِ مُحَدِّقِينَ » وخلقَ مِن أنوارِهم كلَّ شيءٍ، فمِن نورِ أسمائِهم أنارَت الأسماءُ، ومِن نورِ أجسادِهم صُنعَت الأجسادُ، ولا شيءَ في الكونِ مِن أصغرِ ذرّةٍ إلى أعظمِ مجرّةٍ إلّا وهوَ راجعٌ لفضلِ نورِهم صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم. وهذا المعنى إحتملَه بعضُ المُعاصرين.
الثامنُ: أن يُقرأ « وأسمائِكم » و «أرواحِ» إلخ مجروراً معطوفاً على ضميرِ الخطابِ المجرورِ في « ذكرِكم » أي يذكرُكم اللهُ تعالى في جنبِ الذاكرينَ، فيكونُ مِن إضافةِ المصدرِ إلى المفعولِ، فإذا ذكرَ النّاسُ الذّاكرينَ ذكرَكم اللهُ تعالى في جنبِهم وذكرَ أسماءكم ومدحَها، وكذا أرواحُكم وأجسادُكم في جنبِ ذكرِهم لها، كما وردَ في تفسيرِ قولِه تعالى {وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ} أي ذكرُ اللهِ عبدَه أكبرُ مِن ذكرِ العبدِ ربَّه وهوَ العبدُ، واللهُ العالمُ بحقائقِ كلامِ أوليائِه وأصفيائِه وأحبّائِه وهُم عليهم السّلام. وهذا المعنى إحتملَه السيّدُ شُبَّر أيضاً.
وهناكَ معانٍ أخرى ذكرَها العلماءُ في شروحِهم للفقيهِ والتهذيبِ، وفي شروحِهم الخاصّةِ للزّيارةِ، نحوَ: الأنوارِ السّاطعةِ في شرحِ الزيارةِ الجامعةِ للشيخِ جوادٍ الكربلائي، والشموسِ الطالعةِ مِن مشارقِ الزيارةِ الجامعةِ للسيّدِ حسين الدرودآبادي، وغيرِهم.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق