كيفَ نُوفّقُ بينَ أميّةِ الرّسولِ وبينَ كونِه مأموراً بالقراءةِ، وكيفَ نزلَ عليهِ القرآنُ معَ أنّهُ أمّي؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
هناكَ خلافٌ بينَ المُسلمينَ في تفسيرِ معنى الأمّي التي جاءَت في موضعينِ مِن سورةِ الأعراف، وهيَ قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوباً عِندَهُم فِي التَّورَاةِ وَالإنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ) (الأعراف:157). وقوله تعالى: (قُل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ). (الأعراف:158).
وقد فُسّرَت هذه الكلمةُ عندَ معظمِ المُسلمينَ بالذي لا يقرأ ولا يكتب، واستشهدَ بعضُهم بقولِه تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتلُو مِن قَبلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارتَابَ المُبطِلُونَ). (العنكبوت:48). وقد اعتقدَ البعضُ أنَّ هذا يعدُّ قدحاً في النبي ّأو على أقلِّ تقديرٍ نقصاً في كماله، فعدمُ المعرفةِ بالقراءةِ والكتابةِ مُخالفٌ للكمال، وقد برّرَ البعضُ أميّةَ النبيّ مِن بابِ دفعِ شبهةِ تعلّمِ الرّسولِ مِن مصادرَ أخرى.
وفي مُقابلِ هذا الرّأي هناكَ رواياتٌ في مدرسةِ أهلِ البيتِ تنفي هذا المعنى عن الرسولِ (ص) وتفسّرُ الأمّي بمعنى أنّه مِن أمِّ القُرى، ومنها ما رواهُ الشيخُ محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار عَن جعفرٍ بنِ محمّدٍ الصوفي قال سألتُ أبا جعفرٍ (عليهِ السلام) محمّداً بنَ عليٍّ الرّضا (عليه السّلام) وقلتُ له: يا بنَ رسولِ الله لمَ سُمّيَ النبيُّ الأمّي قالَ: ما يقولُ الناس؟ قالَ: قلتُ له جُعلتُ فداكَ يزعمونَ إنّما سُمّيَ النبيُّ الأمّي لأنّهُ لم يكتب. فقالَ: كذبوا عليهم لعنةُ الله أنّى يكونُ ذلكَ واللهُ تباركَ وتعالى يقولُ في مُحكمِ كتابِه: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ) فكيفَ كانَ يعلّمُهم ما لا يحسنُ واللهِ لقد كانَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله يقرأ ويكتبُ باثنينِ وسبعينَ أو بثلاثةِ وسبعينَ لساناً وإنّما سُمّيَ الأمّي لأنّهُ كانَ مِن أهلِ مكّةَ ومكّةُ مِن أمّهاتِ القرى وذلكَ قولُ اللهِ تعالى في كتابِه: (لِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَن حَولَهَا). وروى الشيخُ الصّدوقُ عن أبي جعفرٍ (عليه السّلام) قلتُ: إنَّ الناسَ يزعمونَ أنَّ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليه وآله) لم يكتُب ولا يقرأ فقال: كذبوا لعنَهم الله أنّى يكونُ ذلكَ وقد قالَ اللهُ عزَّ وجل (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فكيفَ يُعلّمُهم الكتابَ والحكمةَ وليسَ يحسنُ أن يقرأ ويكتب؟ قالَ: قلتُ فلمَ سُمّيَ النبيُّ الأمّي؟ قالَ: لأنّهُ نُسبَ إلى مكّةَ وذلكَ قولُ اللهِ عزَّ وجل: (لِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَن حَولَهَا) فأمُّ القُرى مكّة فقيلَ أمّي لذلك).
وغيرُ ذلكَ منَ الرواياتِ التي تفسّرُ الأمّيَ بالنسبةِ إلى أمِّ القرى، وهوَ تأويلٌ مُنسجمٌ معَ ظاهرِ النصِّ ولا يخالفُه، ويمكنُ الجمعُ بينَ القولينِ بالقول: أنَّ رسولَ اللهِ كانَ يعلمُ القراءةَ والكتابة إلّا أنّه لم يمارسهُما لحِكمةٍ كانَت تقتضي ذلكَ مثلَ دفعِ شبهةِ تعلّمِ الرّسولِ مِن كتبِ الآخرين.
اترك تعليق