ما هوَ السرُّ المُستودَعُ عندَ سيّدتِنا فاطمةَ الزهراءِ عليها السّلام؟  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  

هناكَ اختلافٌ بينَ العلماءِ في السرِّ المُستودعِ في سيّدتِنا ومولاتِنا فاطمةَ الزهراءِ عليها السلام.  

  

القولُ الأوّل: أنّهُ سرٌّ، والسرُّ لا يمكنُ معرفتُه، فلو علِمنا ما هوَ حقيقةُ ذلكَ السرِّ، خرجَ عَن كونِه سرّاً.   

وهذا القولُ اختارَه المرحومُ السيّدُ جعفر مُرتضى العاملي في (مُختصرٌ مفيد): 1 / 125.  

  

ولكن يُردُّ على هذا القولِ: أنّ الإشارةَ الإجماليّةَ إليه ِلا يخرجُه عن كونِه سرّاً، نعم. معرفةُ تفاصيلِه يخرجُه عن كونِه سرّاً.  

  

القولُ الثاني: أنّهُ صاحبُ العصرِ والزمان، مهديُّ آلِ محمّدٍ (عجّلَ اللهُ فرجَه)، والسيّدةُ الزهراءُ (عليها السّلام) جدّتُه، حيثُ وردَ في الحديثِ عن النبي (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أنّهُ قال: المهديُّ مِن عترتي مِن ولدِ فاطمة.  

ويتميّزُ الإمامُ المهديّ (عج) عن بقيّةِ الأئمّةِ بكونِه سرّاً خفيّاً، وذلكَ لغيبتِه عنّا.  

  

ولكن يُردُّ على هذا القولِ: أنّ الإمامَ المهديّ (عج) لم يعُد سرّاً، فنحنُ نعلمُ الكثيرَ عنه مِن خلالِ الرواياتِ الكثيرةِ الواردةِ عن النبي (ص) والأئمّةِ المعصومينَ (ع)، فخصائصُه ومقاماتُه وكمالاتُه ومناقبُه، معلومةٌ لنا إلى حدٍّ ما.  

  

القولُ الثالث: أنّهُ الاسمُ الأعظمُ الذي بهِ يُجابُ إذا دُعي، وبهِ يُتصرّفُ في التكوينِ، ولا شكّ أنّ الأئمّةَ المعصومينَ (ع) كانوا يمتلكونَه، وكذلكَ الزهراءُ (ع) كما وردَ في عدّةِ روايات.   

رويَ عن الإمامِ الهادي (ع): سمعتُه يقول: اسمُ اللهِ الأعظمِ ثلاثةٌ وسبعونَ حرفاً، كانَ عندَ آصف حرفٌ فتكلّمَ به فانخرقَت لهُ الأرضُ فيما بينَه وبينَ سبأ فتناولَ عرشَ بلقيس حتّى صيّرَه إلى سليمان، ثمَّ انبسطَت الأرضُ في أقلِّ مِن طرفةِ عين، وعندَنا منهُ اثنانِ وسبعونَ حرفاً، وحرفٌ عندَ اللهِ مُستأثرٌ به في علمِ الغيب. (الكافي للكليني: 1 / 230).  

وهذا القولُ اختارَه الشيخُ المسعودي في الأسرارِ الفاطميّة، ص61.  

  

ولكن يُردُّ على هذا القولِ: أنّ الاسمَ الأعظمَ وإن كانَ سرّاً، إلّا أنّهُ غيرُ مُختصٍّ بالسيّدةِ الزهراءِ (ع)، إذ يعلمُه جميعُ الأئمّةِ المعصومينَ (ع)، بل يعلمُ الأنبياءُ بعضَ أجزائه، كما في الأحاديثِ، وظاهرُ الحديثِ أنّهُ سرٌّ مُختصٌّ بالزهراءِ (ع).  

  

القولُ الرّابع: أنّهُ سيّدُنا المحسنُ السقطُ الشهيدُ (ع)، الذي استشهدَ بينَ الحائطِ والباب، عندَما هجمَ القومُ على دارِ الزهراءِ (ع) في تلكَ الحادثةِ الأليمة.   

فالسرّ ينطبقُ بشكلٍ جليٍّ وواضحٍ على المُحسنِ السّقط، فالمرادُ مِن "وبنيها" هما الإمامانِ الحسنُ والحسينُ (ع)، والمرادُ منَ السرِّ المُستودعِ فيها هوَ المحسنُ السّقط.  

مُضافاً إلى أنّنا نعرفُ الكثيَر عن الإمامينِ الحسنينِ (ع) ولا نعرفُ شيئاً عن المُحسنِ الشهيد، فخصائصُه وكمالاتُه ومقاماتُه وفضائله، كلّها سرٌّ غائبٌ عنّا، فالمُحسنُ سرٌّ مِن أسرارِ الله.  

وهوَ سرٌّ مستودع، فإن فسّرنا المُستودعَ بالوديعةِ، فيكونُ انطباقُه على المُحسنِ جليّاً وواضِحاً، فقد كانَ وديعةً عندَ الزهراءِ (ع)، ثمَّ قبضَه اللهُ وأرجعَه إليه.  

وهذا القولُ ذكرَ العلّامةُ المرحومُ السيّدُ عادل العلوي (قده) أنّهُ مِن معاني الحديثِ، وذلكَ في تقديمِه لكتابِ الأسرارِ الفاطميّةِ للمسعودي، ص18.  

ولعلّ هذا القولَ الأخيرَ هوَ الرّاجحُ مِن بينِ الأقوالِ. واللهُ العالم.  

  

وهناكَ أقوالٌ أخرى أعرَضنا عنها، ويمكنُكم ملاحظتُها في المصدرينِ المُتقدّمين.  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.