ما هو الإثباتُ التاريخيّ لوجودِ الإمامِ الحُسين عليهِ السّلام مِن خارجِ الروايةِ الإسلاميّة وكذلكَ الأمرُ بالنسبةِ لواقعةِ كربلاء؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ليسَ هناكَ أيُّ ضرورةٍ علميّةٍ أو منهجيّةٍ تدعونا للبحثِ عن التاريخِ الإسلاميّ خارجَ دائرةِ ما رواهُ المُسلمونَ ووثّقوهُ بأنفسِهم في كتبِهم التاريخيّة، كما أنَّ التاريخَ الإسلامي ليسَ مُجرّدَ أحداثٍ وقعَت في الماضي، وإنّما هوَ اتّصالٌ ثقافيٌّ وحضاري ما زالَ فاعلاً في الأمّة، فما تعيشُه الأمّةُ اليومَ كفعلٍ حضاري لم ينفصِل عمّا كانَ موجوداً في التاريخ، وما زالت هويّةُ الأمّةِ رهينةً لِما جاءَ به الإسلام، سواءٌ في بُنيتِها المعرفيّةِ والعقائديّة، أو في نظامِها التشريعي والقانوني، أو في رؤيتِها الثقافيّةِ والحضاريّة، وعليهِ لم ينفصِل واقعُ المسلمينَ اليومَ عن واقعِ المسلمينَ في التاريخ، فالأمّةُ التي بدأت في التكوّنِ مع بعثةِ النبيّ الأعظمِ (ص) ما زالَت مُستمرّةً إلى اليوم، وهذا ما لا نجدُ له مثيلاً في أيّ أمّةٍ منَ الأمم.
فهناكَ ارتباطٌ بينَ واقعِ المُسلمينَ وبينَ تاريخِهم الذي يحتوي على مصادرِ تشريعِهم، فالقرآنُ الذي نزلَ قبلَ 1400 عاماً ما زالت الأمّةُ تتناقلهُ بنفسِ الاهتمامِ والتقديرِ جيلاً بعدَ جيل، وما زالت أحاديثُ النبيّ وسيرتُه حاضرةً في كلِّ الجوانبِ العباديّةِ والسلوكيّة، وما زالت شخصيّتهُ العظيمةُ هي المؤثّرةُ على إنسانِ الحاضر، كلُّ ذلكَ شكّلَ دواعي لاهتمامِ المُسلمينَ بتاريخِهم كتابةً وتوثيقاً، وقد تميّزوا بالفعلِ في مناهجِهم التاريخيّة، بحيثُ لا نجدُ لهم مثيلاً في التحرّي والدقّةِ في أي مناهجَ تاريخيّةٍ أخرى، والذي ساعدَ في ذلكَ هو اعتمادُ المناهجِ التاريخيّة على منهجيّةِ نقلِ الرواياتِ والأحاديثِ النبويّة، فمنَ المعلومِ أنَّ تقصّي رواةِ الأحاديث أدّى الى نشوءِ أحدِ فروعِ التاريخ، وهوَ تراجمُ الأشخاصِ وطبقاتُهم، وقد أثّرَ ذلكَ في منهجِ تدوينِ السّيرِ والمغازي فاعتمدَ فيها الإسنادَ القائمَ على منهجِ الجرحِ والتعديل، وبذلكَ نشأ علمُ التاريخِ وترعرعَ في أحضانِ علمِ الحديث، الأمرُ الذي يؤكّدُ أنَّ اهتمامَ المُسلمينَ بالتاريخِ هوَ جزءٌ مِن حاضرِهم الدينيّ والعقائديّ والفكري.
ومنَ المعلومِ أنَّ الحضارةَ الإسلاميّةَ كانَت تمثّلُ الحضارةَ المُنتصرةَ التي فرضَت هيمنتَها الثقافيّةَ على كلِّ الحضاراتِ الأخرى، وعليهِ منَ الطبيعيّ أن تكونَ هي صاحبةَ السّبقِ العلميّ والمنهجي، ففي الوقتِ الذي كانَت فيه البشريّةُ تعيشُ حالةً منَ الجهلِ والتخلّف، كانَت الحواضرُ الإسلاميّة في قمّةِ العطاءِ العلميّ والثقافي، الأمرُ الذي يؤكّدُ عدمَ حاجةِ الأمّةِ إلى حضارةٍ أخرى لتوثّقَ لها شخصيّاتِها وأحداثَها التاريخيّة، وعندَما بدأت أوروبا في نهضتِها العلميّة وعملَت على التعرّفِ على الحضارةِ الإسلاميّة لم تجِد طريقاً غيرَ الرجوعِ إلى المصادرِ الإسلامية.
وفي المُحصّلةِ إنَّ البحثَ التاريخيَّ يعتمدُ على منهجيّاتٍ خاصّة ومتى ما توفّرَت هذه المنهجيّاتُ في أي مصدرٍ تاريخيّ يمكنُ الاستفادةُ منه سواءٌ كانَ كاتبُ ذلكَ التاريخِ مُسلماً أو غيرَ مُسلم، المهمُّ هيَ الدقّةُ في النقلِ والتوثيق، وهذا متوفّرٌ في المصادرِ التاريخيّة التي كتبَها علماءُ الإسلام، ولا يتوقّفُ إثباتُ الشخصيّاتِ أو الأحداثِ التاريخيّة على تناولِها في مصادرَ غيرِ إسلاميّة.
وحتّى لو سلّمنا بوجودِ بعضِ الاختلافاتِ في المصادرِ التاريخيّة فإنَّ ذلكَ لا يؤثّرُ على ثبوتِ الأحداثِ العظامِ والشخصيّاتِ المؤثّرةِ فيها، فثورةُ الإمامِ الحُسين (عليه السّلام) منَ الأحداثِ التي حفرَت عميقاً في وجدانِ وتاريخِ هذهِ الأمّة، وما زالت كربلاء بمبادئِها وشخصيّاتِها فاعلةً في المسارِ التاريخيّ للأمّةِ الإسلاميّة، فمنذُ عام 61 للهجرة لم يمُرَّ على الأمّةِ لحظةٌ انقطعَ فيها تواصلها مع تلكَ الأحداث، فكيفَ بعد ذلكَ يصحُّ السؤالُ عنها أو التشكيكُ في حدوثِها؟
ومِن هُنا نحنُ لا نوافقُ على السّؤالِ من الأساسِ لعدمِ وجودِ أيّ مبرّرٍ علمي له، فإذا كانَ الهدفُ هو التأكّدُ ممّا جرى في التاريخِ فإنَّ ذلكَ متوفّرٌ مِن خلالِ المصادرِ الإسلاميّة، وإن كانَ الهدفُ هو التشكيكُ في كلِّ ما كتبَه المُسلمونَ فليدُلّنا على التاريخِ الذي يثقُ بنقله، وإن كانَ الهدفُ هو مجرّدَ الحصولِ على المعلوماتِ مع عدمِ تكذيبهِ لِما جاءَ في مصادرِ المُسلمين، فيجبُ عليه تغييرُ صيغةِ السّؤال، فبدلَ أن يطالبَ بالإثباتِ وكأنّهُ مُشكّكٌ، فبإمكانِه أن يقولَ مثلاً؛ هل هناكَ مصادرُ تاريخيّةٌ غيرُ إسلاميّة تناولت أحداثَ كربلاء ولم تستمدَّ معلوماتِها منَ التواريخِ الإسلاميّة؟ وبذلكَ يمكنُ الإجابةُ بأنَّ جميعَ من كتبَ عن عاشوراءَ وثورةِ الحُسين مِن غيرِ المُسلمينَ اعتمدوا على الروايةِ الإسلاميّة فقط، لعدمِ وجودِ رواةٍ غيرِ مُسلمين نقلوا لنا ما جرى في كربلاء.
اترك تعليق