ناصبي يقول : أمّي أفضلُ منَ السيّدةِ فاطمة!!
كيف نرد على شبهة الناصبي الذي قال لي: امي افضل من السيدة فاطمة بالنسبة لي لانها امي ولان الله قرن طاعته بطاعتها لا بطاعة فاطمة وجعل الجنة تحت اقدام الامهات لا تحت اقدام فاطمة واوصاني النبي بأمي ثلاثاً فقال امك ثم امك ثم امك ولم يقل فاطمة ثم فاطمة ثم فاطمة لذلك لا مبرر للبكاء عليها او على ولدها بهذا الشكل لانهم بالجنة بل ابكوا على حالكم انتم بل كان الاولى ان تبكوا على موتاكم واقربائكم لا على اشخاص سمعتم عنهم من قصص
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يمكنُ تقسيمُ هذا الكلامِ إلى ثلاثةِ موضوعاتٍ أو مستويات.
المستوى الأوّل: له علاقةٌ بالموقفِ الشخصي والعاطفي لهذا الإنسان، أي ما يُعبّرُ به عن مواقفِه واهتماماتِه وميولِه الخاصّة، فعندَما يتحدّثُ عن أمّه إنّما يتحدّثُ عن شعورِه ورابطِه العاطفي الذي يربطه مع أمّه، وهذا شأنٌ خاصٌّ وليسَ بمقدورِنا مناقشة عواطفِه الشخصيّة، فكلامُه بأنَّ أمّه أعظمُ مِن سيّدةِ نساءِ العالمينَ لا أساسَ موضوعيَّ له وإنّما مجرّدُ تعبيرٍ عن شعورِه وموقفِه الذي يخصُّه، وهذا شأنُه ولا علاقةَ لنا بشأنِه، فقد يأتي إلينا شخصٌ ثانٍ ويقولُ أنَّ أمّه بالنسبةِ له أعظمُ حتّى مِن ربِّ هذا الكون، فلا يهمُّنا مِن أمرِ هؤلاءِ شيئٌ طالما كانوا يعبّرونَ عن المواقفِ الشخصيّة.
المُستوى الثاني: له علاقةٌ بمكانةِ الأمّ في الإسلام، ولا اعتراضَ عندَنا على أنَّ الأمَّ لها مكانةٌ عظيمةٌ في الإسلام، إلّا أنَّ هناكَ ملاحظةً ضروريّةً، وهيَ أنَّ مكانةَ الأمِّ في الإسلام لا علاقةَ لها بالموقفِ الإيماني للأم، فيجبُ احترامُ الأمِّ وتقديرُها، حتّى لو لم تكُن على دينِ الإسلام، وقد أرجعَ الإسلامُ ذلكَ إلى الجانبِ الطبيعي الذي تقومُ فيه الأمُّ بالحمِل والإرضاع، قالَ تعالى: (وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهنًا عَلَىٰ وَهنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَينِ أَنِ اشكُر لِي وَلِوَالِدَيكَ إِلَيَّ المَصِيرُ) فوصيّةُ الإسلامِ بالوالدينِ ليسَ لها علاقةٌ بمكانتِهما عندَ الله، وإنّما لها علاقةٌ بالرّابطِ الطبيعي والغريزيّ في الإنسان، ولذلكَ جاءَت الآيةُ التي بعدَها مباشرةً لتكشفَ عن هذا الأمرِ وتؤكّدَه، قالَ تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلَا تُطِعهُمَا ۖ وَصَاحِبهُمَا فِي الدُّنيَا مَعرُوفًا) الأمرُ الذي يؤكّدُ على أنَّ احترامَ الوالدين لا يرتبطُ بالله، وإنّما لهُ علاقةٌ برابطِ الرّحم، ولذا أمرَنا أن نُعاشرهما في الدّنيا بالمعروفِ حتّى وإن جاهدانا على أن نُشركَ بالله، وكلُّ ذلكَ يدلّلُ على أنَّ مكانةَ الأمِّ في الإسلامِ لها علاقةٌ بالتعاليمِ الأخلاقيّة والسلوكيّة ولا علاقةَ لها بالأسسِ العقائديّة التي يقومُ عليها الدّين.
أمّا قوله: (الجنّةُ تحتَ أقدامِ الأمّهات) فلو سلّمنا بثبوتِ هذا الحديثِ لوجودِ مَن يُشكّكُ في نسبتِه للنبيّ، فإنّه لا يفيدُ شيئاً في المقام، فالمقصودُ أنَّ ما تقدّمُه الأمُّ من تربيةٍ إيمانيّةٍ لأولادِها يكونُ سبباً لدخولِهم الجنّة، ولا يعني أنَّ كلَّ أمٍّ هيَ في الجنّةِ أو أنَّ الجنّةَ دوماً تحتَ أقدامِها، فكما أنَّ الأمَّ قد تتسبّبُ في دخولِ أولادِها للجنّةِ هيَ أيضاً قد تتسبّبُ في دخولِ أولادِها للنار، فمَن تُربّي أولادَها على النصبِ والعداءِ لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) حتماً مصيرُها هيَ وأولادُها إلى النار، وعليهِ الأمُّ لا تكونُ بديلاً عن سيّدةِ النساءِ (عليها السّلام) وإنّما تكتسبُ الأمُّ قيمتَها بمقدارِ حبّها وولائِها للسيّدةِ الزّهراء (عليها السّلام)، ومِن هُنا ليسَ للأمِّ بما هيَ أمٌّ أيُّ رابطٍ عقائديّ أو إيماني بالجنّة، وهذا خلافُ محبّةِ السيّدةِ فاطمةَ الزّهراء عليها السلام.
أمّا قوله: (أوصاني النبيُّ بأمّي ثلاثاً فقالَ أمُّك، ثمَّ أمّك، ثمّ أمّك) فإنَّ هذا الحديثَ جاءَ في سياقِ ما ذكرَه القرآنُ مِن مكانةِ الوالدين، أي ليسَ بالضرورةِ أن تكونَ الأمُّ مؤمنةً حتّى ينطبقَ عليها حديثُ الرسولِ (ثمَّ أمّك، ثمّ أمّك، ثمّ أمّك) وإنّما هذا يجري حتّى لو كانَت أمُّ المُسلمِ كافرةً، وعليهِ الحديثُ لا يؤسّسُ لرابطٍ إيماني وعقائدي بينَ المُسلمِ وبينَ أمّه وإنّما يؤسّسُ لرابطٍ أخلاقي وسلوكيّ بينَه وبينها، ومِن هُنا لا تصحُّ المقارنةُ بينَه وبينَ مكانةِ فاطمة الزّهراء (سلامُ اللهِ عليها) فما جاءَ في حقّها له علاقةٌ بأصلِ تحقّقِ الإسلامِ والإيمانِ في قلبِ الإنسان.
المُستوى الثالث: لهُ علاقةٌ بما قدّمَه مِن نصائحَ بعدمِ البكاءِ على السيّدةِ فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، وفي ذلكَ تعدٍّ على الآخرينَ وفرضُ رؤيتِه الشخصيّة عليهم، فإذا كانَ يعاني من شعورٍ جافٍّ وإحساسٍ قاسٍ يمنعُه من التفاعلِ مع المظلومِ في أيّ زمانٍ وفي أيّ مكان، كيفَ يصادرُ شعورَ الآخرينَ وإحساسَهم بما أصابَ بنتَ رسولِ اللهِ وسيّدةَ نساءِ العالمين مِن مظالم؟
والمُبرّرُ الذي قدّمَه لتسويقِ هذهِ النصيحةِ هوَ أنَّ البكاءَ على موتانا من الأقاربِ أولى منَ البكاءِ على السيّدةِ الزهراءِ سلامُ اللهِ عليها، وهوَ بذلكَ يحاولُ تحريكَ عواطفِنا الخاصّةِ لتكونَ حكماً في أمرٍ لا تحكمُه مجرّدُ العاطفة، فكما أنّه يقيسُ الأمورَ بحسبِ ميولِه وعواطفِه الشخصيّة يريدُ منّا أن نكونَ مثله، وهوَ بذلكَ يجهلُ أو يتجاهلُ أنَّ الإنسانَ قادرٌ على البكاءِ في الحالتينِ من دون أن يكونَ هناكَ تعارضٌ بينهما، فالذينَ يبكونَ على ما أصابَ بنتَ رسولِ الله هُم أكثرُ وفاءً وعزاءً لموتاهم، كما أنّه يجهلُ أنَّ البكاءَ وإقامةَ العزاءِ على مُصابِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) يختلفُ في الجوهرِ والمضمونِ عن البكاءِ والعزاء على موتانا، فعندَما نبكي على أقاربِنا نبكي لأنّنا فقدنا مَن كانَت تربطنا به علاقةٌ تهمُّ حياتَنا الدنيويّة، فكلُّ ما يربطنا بهم هوَ مُجرّد روابطَ دنيويّة جعلتنا نتشاركُ الحياةَ معَهم لمدّةٍ منَ الزمن، ولذلكَ نحزنُ إذا تركونا في الطريقِ ومضوا عنّا، أمّا أهلُ البيتِ (عليهم السّلام) فالذي يربطنا بهم هوَ الدينُ والإيمانُ والعقيدة، فعندَما نبكي على مُصابِهم إنّما نبكي على القيمِ والمبادئِ التي ضحّوا مِن أجلها، فما وقعَ على أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) هو بسببِ الدفاعِ عن الإسلامِ وعقائدِه ومبادئِه، وبالتالي علاقتُنا بهم ليسَت مُجرّدَ علاقةٍ ذاتِ مصلحةٍ دنيويّة، وإنّما لها علاقةٌ بالجانبِ الرّوحي والمعنوي والفكري والعقائدي، فعندَما بكى سيّدُنا يعقوب على يوسفَ حتّى ابيضّت عيناه، لم يبكهِ مِن موقعِ الرّابطِ الأبوي وإنّما بكاهُ مِن موقعِ الرابطِ الديني والإيماني، (قَالَ إِنَّمَا أَشكُو بَثِّي وَحُزنِي إِلَى اللَّه) وهكذا نفعلُ نحنُ معَ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام).
فالمقارنةُ غيرُ مُبرّرةٍ بينَ محبّةِ الأمِّ ومحبّةِ فاطمة الزّهراء سلامُ اللهِ عليها، فإذا كانَ الدافعُ لمحبّةِ الأمِّ هوَ العاطفةُ الغريزيّة، ولذلكَ يحبُّ المؤمنُ أمَّه، حتّى لو كانَت على غيرِ دينِه، فإنَّ الدّافعَ لمحبّةِ الزّهراءِ (عليها السّلام) هوَ الدينُ والإيمانُ والعقيدة، قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله): (أما ابنتي فاطمة فهيَ سيّدةُ نساءِ العالمينَ منَ الأوّلينَ والآخرين) فكيفَ يأتي هذا الجاهلُ ليُقارنَها بأمّه؟
فالزهراءُ كانَت موضعَ عنايةِ اللهِ تعالى، يغضبُ لغضبِها ويرضى لرضاها، ولا ينالُ ذلكَ إلّا مَن كانَ مُطهّراً منَ الرجسِ معصوماً منَ الزّلل، قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (إنَّ اللهَ ليغضبُ لغضبِ فاطمة، ويرضى لرضاها) فقد علّقَ اللهُ غضبَه ورضاهُ بغضبِ ورضا فاطمة (عليها السّلام)، فهيَ بمثابةِ الميزانِ الذي يُستكشفُ به حصولُ الرّضا أو الغضبِ الإلهي، وهذا هو ذاتُه حالُ زوجِها أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام) الذي لا يحبُّه إلّا مؤمنٌ ولا يبغضُه إلّا منافق.
فهناكَ فرقٌ بينَ أن يقال: تغضبُ لغضبِ الله، وترضى لرضاه، وبينَ أن يقال: يغضبُ اللهُ لغضبِها، ويرضى لرضاها، فإنَّ الأوّلَ يفيدُ أنَّ هذا العبدَ يُراعي اللهَ تعالى في كلِّ أفعالِه وأقواله، وأنّهُ لا يرتكبُ ما يكونُ مُخالفاً للهِ تعالى، وهذا بخلافِ التعبيرِ الثاني، فإنّهُ لا معنى لأن يُقالَ بأنَّ العبدَ يُراعي اللهَ تعالى في كلِّ ما يصدرُ منه، فإنَّ ذلك مفروغٌ عنه، بل الحديثُ لابدَّ وأن يكونَ كيفَ بلغَ العبدُ هذهِ المرتبة، حيثُ صارَ الغضبُ والرّضا الإلهي مُعلّقينِ على غضبِه ورضاه.
وقد عبّرَ النبيُّ عن أهلِ البيتِ بعباراتٍ جميلةٍ وذاتِ دلالاتٍ عميقةٍ فقالَ في حقِّ أهلِ البيتِ «إنّي مُخلّفٌ فيكم الثقلينِ كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي» فعبّرَ عنهم بالثقلِ، وفي كلامِه عن الإمامِ علي والإمام الحُسين كانَ يقول «حُسينٌ منّي وأنا مِن حُسين»، «عليٌّ منّي وأنا منه» إلّا أنّه عندَما عبّرَ عن فاطمةَ قالَ في حقّها «فاطمةُ بضعةٌ منّي» وبالتالي لفاطمةَ علاقةٌ خاصّةٌ برسولِ الله، فإذا كانَ النبيُّ مسؤولاً عن إصلاحِ الأمّةِ فإنَّ فاطمةَ كانَت مسؤولةً عن رعايةِ النبيّ واحتضانِه حتّى قالَ فيها فاطمةُ أمُّ أبيها.
اترك تعليق