ما هوَ أصلُ القبائلِ العربيّةِ أو سُكّانِ العراقِ الذينَ يعيشونَ في العراقِ اليوم

ما هوَ أصلُ القبائلِ العربيّةِ أو سُكّانِ العراقِ الذينَ يعيشونَ في العراقِ اليوم ...هل مِن أصولِ اليمنِ والحجازِ أم هُم امتدادٌ للسومريّينَ والآشوريّينَ أو مِن أحفادِ آدمَ ونوحٍ عليهم السّلام...حفظَكم اللهُ تعالى من كلِّ مكروهٍ ببركةِ صاحبِ الزّمانِ عجّلَ اللهُ فرجَه. 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

هناكَ حضاراتٌ مُتعدّدةٌ تعاقبَت على أرضِ الرافدين، وأقدمُ تلكَ الحضاراتِ التي تمتلكُ بعضَ البياناتِ التاريخيّة هيَ الحضارةُ السومريّة سنةَ 3700 قبلَ الميلاد، وقد عُرفَ تاريخُها منَ الألواحِ الطينيّةِ المدوّنةِ بالخطِّ المسماري، وليسَ هناكَ رؤيةٌ مُحدّدةٌ ومُجمعٌ عليها في ما يتعلّقُ بأصولِ السومريّينَ، وكلُّ ما هوَ موجودٌ هوَ افتراضاتٌ ذهبَ إليها المؤرّخونَ بحسبِ بعضِ القرائنِ هُنا وهناك، حيثُ اعتبرَ البعضُ أنّهم هاجروا مِن شمالِ العراقِ إلى جنوبِه، إلّا أنَّ الباحثَ العراقيَّ أحمد سوسة أشارَ إلى أنَّ ذلكَ يتنافى معَ ما ذكرَه السومريّون عَن أصلِهم كما وردَ في أحدِ الألواحِ الطينيّةِ السومريّة، حيثُ يقول: (ما نقلَه السومريّونَ عن أنّهم تركوا موطناً في أرضٍ جبليّةٍ يمكنُ الوصولُ إليها بحراً) (تاريخُ حضارةِ وادي الرّافدين، ج1، ص 549) ومنَ الواضحِ أنَّ شمالَ العراقِ وإن كانَ أرضاً جبليّةً إلّا أنّه لا يوجدُ بحرٌ يفصله عنهُ جنوبه، وقد أشارَ بعضُ المؤرّخينَ إلى أنَّ شعَب العبيديّينَ الذي جاءَ مُهاجراً منَ الجزيرةِ العربيّة هوَ أوّلُ مَن استقرَّ في جنوبِ العراقِ وشيّدَ المُدنَ السومريّة، حيثُ يذهبُ الباحثُ عبدُ المُنعمِ المحجوب في كتاِبه (ما قبلَ اللغة.. الجذورُ السومريّةُ للغةِ العربيّة واللغاتِ الأفروآسيوية) إلى أنَّ الأقوامَ التي هاجرَت منَ الجزيرةِ العربيّة إلى الرافدين، تزامنَ ترحالها معَ الأقوامِ التي هاجرَت منَ الصحراءِ الكُبرى إلى وادي النيل، وأنَّ هذهِ الأقوامَ تُشكّلُ الطرفَ الشرقيَّ والغربيَّ للحوضِ الأفروآسيوي الذي كانَ يتحدّثُ لغةً واحدةً هيَ السومريّةُ بلهجاتٍ مُتعدّدةٍ، ممّا يؤكّدُ أنَّ السومريّينَ أقوامٌ ساميةٌ تمثّلُ أسلافَ العربِ الحاليّين، ومِن هُنا يصحُّ القولُ أنَّ أصلَ سكّانِ العراقِ يعودُ إلى القبائلِ العربيّة التي نزحَت منَ الجزيرةِ العربيّة إلى وادي الرافدينِ في الألفِ السادسةِ قبلَ الميلاد.  

وهكذا الحالُ في الدولةِ الأكديّةِ التي قامَت على أنقاضِ الدولةِ السومريّة تحتَ قيادةِ سرجون الأوّل، (من 2350 إلى 2200 ق.م)، حيثُ يرجعُ أصلهم أيضاً إلى العربِ المُهاجرينَ مِن جزيرةِ العربِ، ثمَّ جاءَت الدولةُ الباليةُ التي تعتبرُ نتاجَ توافدِ قبائلِ العربِ العموريّينَ إلى بلادِ ما بينَ النهرين بعدَ سقوطِ الدولةِ الأكديّةِ السومريّةِ المُشتركة، وقد أقاموا العديدَ منَ الدويلاتِ مثلَ دولةِ آشور، وإيسن، ولارسا، وبابل التي استقلّوا بها.  

وهكذا استمرَّ الحالُ في العراقِ بينَ السومريّينَ والاكديّينَ والبابليّينَ والآشوريّينَ مدّةً طويلةً منَ الزمن إلى دخولِ الغزو الفارسي سنةَ (539 إلى 321 ق.م) حيثُ احتلَّ الملكُ كورش الإخميني مدينةَ بابل واتّخذَها عاصمةَ مُلكِه، واستمرَّ الفرسُ يسيطرونَ على العراقِ حتّى هزمَهم الإسكندرُ المقدوني الكبير سنة 321 ق.م.  

وآخرُ ما يمكنُ سردُه في التطوّرِ التاريخيّ للعراقِ هوَ دخولُ الفتحِ الإسلاميّ إلى العراق، ومِن ثمَّ تحويلِ بغدادَ فيما بعد إلى عاصمةٍ للدولةِ الإسلاميّة في العهدِ العبّاسي، وهكذا أصبحَت الهويّةُ الثقافيّةُ والعرقيّة للعراقِ اليوم هيَ الهويّةُ العربيّةُ والثقافةُ الإسلاميّة، ولا يمنعُ ذلكَ مِن وجودِ أصولٍ غيرِ عربيّة هاجرَت منذُ القِدمِ واستقرّت في العراقِ، سواءٌ كانَت مِن أصولٍ إيرانيّةٍ أو تركيّةٍ أو مِن شرقِ آسيا بعدَ الغزوِ المغولي.