ما معنى قولِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): « يدّعي بزعمِه أنّهُ يرجو اللهَ، كذبَ والعظيم، ما بالهُ لا يُتبيّنُ رجاؤه في عملِه، فكلُّ مَن رجا عُرِفَ رجاؤه في عملِه »؟

: - اللجنة العلمية

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه  وردَت هذهِ الفقراتُ ضمنَ خُطبةٍ لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، ذكرَها الشريفُ الرضيّ في [نهجِ البلاغة ص299]، وفيها ذمٌّ لمَن يدّعي رجاءَ اللهِ تعالى ولا يعملُ له، وتنبيهٌ على أنّ رجاءَه ليسَ بخالصٍ بتكذيبِه وبيانِ تقصيرِه في العمل. قولهُ (عليهِ السلام): « يدّعي بزعمهِ أنّه يرجو الله » بيانٌ لصورةِ الدّعوى؛ إذ يدّعي أنّه يرجو اللهَ تعالى، قولهُ (عليهِ السلام): « كَذَبَ وَالعظيمِ » ردٌّ لتلكَ الدّعوى مؤكّداً بالقسمِ البارّ، قولهُ: « ما بالهُ لا يتبيّنُ رجاؤهُ في عَملِه؟ وكلُّ مَن رجا عُرِفَ رجاؤهُ في عملِهِ » استدلالٌ على عدمِ كونِ هذا المُدّعي للرجاءِ راجياً، بيانُ الدليل: أنّ كلَّ مَن رجا أمراً مِن سلطانٍ أو غيرِه فإنّه يخدمُه بخدمتِه التامّةِ ويبالغُ في طلبِ رضاه، ويكونُ عملهُ له بقَدَر قوّةِ رجائِه له وخلوصِه، بينما هذا المُدّعي للرّجاءِ غيرُ عاملٍ، فيُستدلّ بتقصيرِه في الأعمالِ الدينيّةِ على عدمِ رجائِه الخالصِ لله؛ إذ لو كانَ خالصَ الرجاءِ لظهرَت آثارُ الرجاءِ عليه في أعمالِه وخدماتِه وطاعاتِه. [ينظر: شرحُ نهجِ البلاغةِ للبحرانيّ ج3 ص282]. وروى الشيخُ الكلينيّ في [الكافي ج2 ص68] عن أحدِ أصحابِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « قلتُ له: قومٌ يعملونَ بالمعاصي ويقولونَ نرجو، فلا يزالوا كذلكَ حتّى يأتيهم الموت؟ فقالَ: هؤلاءِ قومٌ يترجّحونَ في الأماني، كذبوا ليسوا براجين، إنّ مَن رجا شيئاً طلبَه، ومَن خافَ مِن شيءٍ هربَ منه ».  وقد ذكرَ العلّامةُ المجلسيّ في [بحارِ الأنوار ج67 ص359]: « والحاصلُ أنّ الأحاديثَ الواردةَ في سعةِ عفوِ اللهِ سبحانَه وجزيلِ رحمتِه ووفورِ مغفرتِه كثيرةٌ جدّاً، ولكن لابدّ لمَن يرجوها ويتوقّعَها منَ العملِ الخالصِ المُعدِّ لحصولها، وتركِ الانهماكِ في المعاصي المفوّتِ لهذا الاستعداد.. فاحذَر أن يغرّكَ الشيطانُ، ويثبّطكَ عن العملِ، ويقنعَك بمحضِ الرّجاءِ والأمل، وانظُر إلى حالِ الأنبياءِ والأولياء، واجتهادِهم في الطاعاتِ، وصرفِهم العُمرَ في العباداتِ، ليلاً ونهاراً، أما كانوا يرجونَ عفوَ اللهِ ورحمتَه؟ بلى واللهِ إنّهم كانوا أعلمَ بسعةِ رحمتِه، وأرجا لها مِنك، ومِن كلِّ أحد، ولكن علموا أنّ رجاءَ الرّحمةِ مِن دونِ العملِ غرورٌ محضٌ، وسفهٌ بحتٌ، فصرفوا في العباداتِ أعمارَهم وقصروا على الطاعاتِ ليلَهم ونهارَهم ». والحمدُ للهِ ربّ العالمين.