هل يحتاج الله (سبحانه وتعالى)الى الزمان والمكان ؟
السلامُ عليكُم غالباً ما يطرأ في ذهني سؤالٌ أعتبرُه مُهمّاً وهوَ : حينَ قيلَ أنَّ اللهَ خلقَ هذهِ الدّنيا في ستّةِ أيّام وهذا يُنافي ما نقرأهُ أنَّ اللهَ لا يحتاجُ لزمانٍ أو حتّى لمكانٍ وإذا قُلنا أنّهُ بالفعلِ تمَّ خلقُ الأرضِ من دونِ وقتٍ والمقصودُ هوَ أنّه هذه الستّة أيّامٍ هيَ مجرّدُ مراحلَ فكيفَ لشيءٍ مادّيٍّ أن يكونَ مِن دونِ زمان لأنَهُ منَ المعروفِ أنَّ كلَّ شيءٍ مادّيٌّ مُلازمٌ للزمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : هناكَ فرقٌ بينَ حاجةِ الخالقِ للزمانِ وبينَ حاجةِ المخلوقِ للزّمان، وذلكَ لأنَّ الخالقَ بسيطٌ والبسيطُ لا يقيّدُه زمانٌ، أمّا المخلوقُ فهوَ مُركّبٌ وكلُّ مُركّبٍ له أجزاءٌ ولهُ مراحل، فإذا تعلّقَت القدرةُ المُطلقةُ بالمخلوقِ غيرِ المُطلق فلا يعني أنَّ القُدرةَ أصبحَت مُقيّدةً أيضاً، وإنّما طبيعةُ المخلوقِ هيَ التي تقتضي المرحليّةَ والتدرّجَ، وعليهِ فإنَّ خلقَ السماواتِ والأرض بالشكلِ الذي هيَ عليه لا تكونُ إلّا عبرَ مراحل، والآياتُ التي تناولَت ذلكَ كثيرةٌ مِنها قولهُ تعالى: (ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱستَوَىٰ عَلَى ٱلعَرشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)(السجدة (4)، وقولهُ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استَوَىٰ عَلَى العَرشِ ۚ يَعلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديدُ-14)، كما وردَت في الأعرافِ الآيةُ 54، ويونسُ الآية 3، هودُ الآية 7، الفرقانُ الآية 59، السجدةُ الآية 4، ق الآيةُ 38، الحديدُ الآية 4، المُجادلةُ آية 4. حيثُ تكشفُ جميعُها عن قُدرةِ اللهِ وهيمنتِه على الوجودِ بحيثُ لا يفلتُ مِن قبضتِه شيءٌ، ومِن جهةٍ ثانية قد يُفهَمُ ذِكرُ الأيّامِ في خلقِ السماواتِ والأرضِ إلى تأكيدِ الحِكمةِ مِن هذا الخلقِ، فالترتيبُ والتدرّجُ يكشفُ عن وجودِ غايةٍ يسعى الوجودُ إلى بلوغِها، وعلى الإنسانِ إدراكُ ذلكَ والعملُ على تحقيقِه، ولذلكَ نجدُ آخرَ الآياتِ ربطَ النتيجةِ بفعلِ الإنسانِ، مثلَ قولِه: (ما لكُم مِن دونِه مِن وليٍّ ولا شفيعٍ أفلا تتذكّرونَ) وقولِه: (وهوَ معَكم أينَ ما كنتُم واللهُ بما تعملونَ بصير)، وبعيداً عن إدراكِنا أو عدمِ إدراكِنا للحِكمةِ مِن خلقِ السماواتِ والأرضِ في ستةِ أيّام، فإنَّ الأمرَ الذي نقطعُ بهِ أنَّ البحثَ عن معنى اليومِ وتحديدِه بفترةٍ زمنيّةٍ لا يقعُ ضمنَ أهدافِ الآيات، بل ينحصرُ الهدفُ في بيانِ قُدرةِ الله وهيمنتِه على الوجودِ وبالتالي بلوغُ الإنسانِ إلى مرتبةِ التوحيدِ الخالصِ والانقطاعِ التامِّ إليهِ تعالى.
اترك تعليق