هل هناكَ فرقٌ بينَ خلفاءِ وخلائفَ في النصِّ القرآنيّ؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،بعدَ البحثِ والتدقيقِ في ورودِ هاتينِ الكلمتينِ في القرآنِ العظيم، تبيّنَ لنا أنّ أهلَ اللغةِ لا يُفرّقونَ بينَهما، إذ يقولونَ: خلائفُ جمعُ خليفةٍ وخلفاءُ جمعُ خليفة، وجرى على منوالِهم المفسّرونَ حينَ عرضوا لهاتينِ الكلمتين، فلا يذكرونَ فرقاً بينَ الجمعين. وهاهُنا سؤالٌ يفرضُ نفسَه: إذا كانَت الكلمتانِ بمعنىً واحدٍ مِن حيثُ الجمعِ وأصلهما واحدٌ، فَلِـمَ تأتي مرّةً خلائف، ومرّةً خلفاء؟ فالجوابُ - واللهُ أعلمُ بالصواب - أنّنا وجَدنا الفرقَ بينَهما مِن حيثُ الاستعمالِ وليسَ مِن حيثُ اللغة، إذ وجدنا كلمةَ (خلائف) تُستعملُ للذينَ خلفوا قوماً مهلَكين، وتستعملُ كلمةُ (خُلفاء) للذينَ خلفوا قوماً صالحين. فلمّا قالَ تعالى: {ثُمَّ جَعَلنَاكُم خَلَائِفَ فِي الأَرضِ مِن بَعدِهِم لِنَنظُرَ كَيفَ تَعمَلُونَ} [يونس: 14]. إذ إنّ عبارةَ: (مِن بعدِهم) المرادُ مِنها: مِن بعدِ الذينَ أهلكناهم، أي بعدَ المُهلَكِين أنتُم خلفتموهم، فالخطابُ - إذن - موجّهٌ للأممِ التي خلفَت المُهلَكين. وعليهِ: فخلائفُ هُم الذينَ خلفوا قوماً مُهلَكين، أهلكَهم اللهُ بأعمالِهم السيّئة. ولمّا نأتي إلى كلمةِ (خُلفاء) في قولِه تعالى: {أَوَعَجِبتُم أَن جَاءَكُم ذِكرٌ مِن رَبِّكُم عَلَى رَجُلٍ مِنكُم لِيُنذِرَكُم وَاذكُرُوا إِذ جَعَلَكُم خُلَفَاءَ مِن بَعدِ قَومِ نُوحٍ وَزَادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} [الأعرافُ : 69]. فماذا فعلَ اللهُ تعالى بقومِ نوح؟ أهلكَهم. فاللهُ تعالى أهلكَ قومَ نوحٍ (ع)، فقالَ خلفاء، لأنّ الذينَ خلفوا قومَ نوحٍ المُهلَكين هُم أصحابُ السفينة، وأصحابُ السفينةِ هُم قومٌ صالحون، وعادٌ جاؤوا بعدَ الصالحينَ مِن قومِ نوحٍ.  فإذن: سمّاهُم خُلفاء، لأنّهم خلفوا الصّالحينَ مِن أصحابِ السفينةِ، فقالَ (وَاذكُرُوا إِذ جَعَلَكُم خُلَفَاء مِن بَعدِ قَومِ نُوحٍ)، فهذا الكلامُ لقومِ عاد. وقالَ لثمود: {وَاذكُرُوا إِذ جَعَلَكُم خُلَفَاءَ مِن بَعدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُم فِي الأَرضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتًا فَاذكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدِينَ} [الأعراف: 74]، لأنّ عاداً أيضاً أهلكَ اللهُ فيها المُكذّبينَ، وورثَهم المصدّقونَ، وثمودَ جاءَت بعدَ المُصدّقينَ، ولم تأتِ بعدَ المُهلَكين.  ودمتُم سالِمين.