هل يمكنُ أن ينحرفَ المرجعُ الديني؟ وما هوَ موقفُ المؤمنينَ في مثلِ هذهِ الحالة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : كلُّ ما ليسَ بمعصومٍ يجوزُ في حقّه الانحرافُ، فعلى مُستوى الإمكانِ لا مانعَ عقلاً ولا شرعاً أن ينحرفَ الفقيهُ الذي وصلَ إلى مستوى منَ العلمِ والفقاهةِ حتّى أصبحَ مرجعاً لغيرِه، وقد صرّحَ القرآنُ الكريمُ بذلكَ في قولِه تعالى: (وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِيَ آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث) فالآيةُ تؤكّدُ بشكلٍ واضحٍ إمكانيّةَ انحرافِ مَن وصلَ إلى درجةٍ منَ العلم، حيثُ ضربَت الآيةُ مثلاً بمَن كانَ له علمٌ بآياتِ اللهِ إلّا أنّه انسلخَ منها واتّبعَ هواه، الأمرُ الذي يدلُّ على خطورةِ هوى النفسِ على الإنسانِ إذا لم يعمَل على مُخالفةِ هواه بشكلٍ دائمٍ ومُستمرّ، وقد جاءَ في تفسيرِ هذهِ الآيةِ الكثيرُ مِن رواياتِ الشيعةِ والسنّة التي تؤكّدُ بأنَّ هذا الرجلَ يقالُ له (بلعمُ بن باعورا) مِن بني إسرائيل وقد كانَ في زمنِ نبيّ اللهِ موسى (عليهِ السلام) حيثُ كانَ عالماً بآياتِ اللهِ إلى درجةٍ كانَ عندَه اسمُ اللهِ الأعظم كما صرّحَت بعضُ الروايات، إلّا أنّه انحرفَ وجحدَ بآياتِ اللهِ واتّبعَ الشيطان، فكانَ مثلُه كمثلِ الكلب، فكما أنَّ الكلبَ يلهثُ حتّى وإن لم يكُن في حالةٍ منَ الجُهدِ والتعب، فكذلكَ هو حالُ مَن عرفَ الحقَّ واتّبعَ هواه لن يجدَ إلّا الخذلانَ والضياع، وقد أشارَ الإمامُ الباقرُ (عليهِ السلام) في تفسيرِ هذهِ الآيةِ إلى أنَّ ذلكَ مثالٌ جارٍ على كلِّ مَن عرفَ الحقَّ وتركَه مِن أجلِ الهوى، حيثُ قالَ (عليهِ السلام): أنَّ الأصلَ في ذلكَ بلعم ثمَّ ضربَه اللهُ مثلاً لكلِّ مؤثرٍ هواهُ على هُدى الله مِن أهلِ القبلة). وعليه بحسبِ الإمكانِ العقليّ والعمليّ ليسَ مُحالاً أن ينحرفَ المرجعُ الديني، ولكنّه مُستبعدٌ صدورُ ذلكَ منهم؛ فالذي وطّنَ نفسَه على طاعةِ الله واجتنابِ الهوى لا يُتوقّعُ منهُ مثلُ هذا الانحراف، فهناكَ محالٌ عقليّ ومحالٌ عاديّ والانحرافُ في حقِّ المرجعِ محالٌ عادي، فمثلاً عندَما نقولُ محالٌ أن يرمي العاقلُ بنفسِه في النارِ نقصدُ المحالَ العادي لأنَّ حصولَ ذلكَ عقلاً ليسَ محالاً، وكذلكَ نقولُ محالٌ أن يُمسكَ العاقلُ بيدِه التيّارَ الكهربائي معَ أنّه مُمكنٌ عقلاً، وكذلكَ الحالُ بالنسبةِ للانحرافِ في حقِّ المراجعِ فمعَ أنّه ليسَ محالاً عقليّاً ولكنّه محالٌ في العادة، حيثُ لم يصِل مراجعُ الشيعةِ إلى هذا المُستوى منَ العلمِ والفقاهةِ والعبادةِ إلّا بتوطينِ أنفسِهم على الحقِّ واجتنابِ الهوى، فمسيرتُهم العلميّةُ والعباديّة والأخلاقيّة خيرُ شاهدٍ على ذلك، وعليهِ في العادةِ يُستبعدُ وقوعُ ذلكَ منهم كما يشهدُ على ذلكَ تاريخُ المرجعيّةِ الشيعيّة. أمّا في حالِ حصولِ ذلكَ الانحرافِ بحيثُ أصبحَ أمراً واضحاً وقطعيّاً فحينَها يجبُ تركُه والابتعادُ عنه وتحذيرُ الناسِ منه، وفي نفسِ الوقتِ لا يجوزُ اتّخاذُ ذلكَ مُبرّراً في تسقيطِ العُلماءِ بالرّأي والهوى، أو لمجرّدِ الاختلافِ معهم في مسألةٍ منَ المسائل، ففي الحديثِ القُدسي عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ إنَّ اللهَ تعالى قالَ: مَن عادى لي وليّاً فقد آذنتُه بالحرب.
اترك تعليق