ما معنى لعنِ بني أميّةَ قاطبةً في زيارةِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) فيما تذكرُ الرواةُ تشيّعَ بعضِهم وحُسنَ سيرتِه؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،إنّ معنى اللعنِ هوَ الإبعادُ والطردُ مِن رحمةِ اللهِ تعالى، قالَ ابنُ فارس في [مُعجمِ مقاييسِ اللغة، مادّةُ (لعن)]: « لعنَ: اللامُ والعينُ والنون، أصلٌ صحيحٌ يدلّ على إبعادٍ وإطرادٍ، ولعنَ اللهُ الشيطان: أبعدَه عن الخيرِ والجنّة »، وقالَ الراغبُ الأصفهانيّ في [مُفرداتِ القرآن، مادّةُ (لعن)]: « اللعنُ: الطردُ والإبعادُ على سبيلِ السخط، وذلكَ منَ اللهِ تعالى في الآخرةِ عقوبة، وفي الدّنيا انقطاعٌ مِن قبولِ رحمتِه وتوفيقِه ». ومنَ الواضحِ أنّ اللعنَ والطردَ مِن رحمةِ اللهِ تعالى يلازمُه أن يكونَ الملعونُ شقيّاً بعيداً عن اللهِ تعالى؛ فإنّه إذ كانَ شقيّاً استحقَّ اللعنَ والطرد، فملاكُ اللعنِ هوَ الشقاوة. ومنَ المعلومِ أنّ المؤمنَ سعيدٌ قريبٌ منَ اللهِ تعالى ـ لإيمانِه ومعرفتِه ـ، فهوَ مشمولٌ بالرّحمةِ الإلهيّةِ والعنايةِ الربّانيّة، وهذا يتنافى مع اللعنِ والطرد، فهوَ ـ بلا شكٍّ ـ غيرُ مُستحقٍّ للعن؛ لعدمِ وجودِ ملاكِ اللعنِ فيه. وبهذا يظهر: أنّ ما وردَ في زيارةِ عاشوراء الشريفة: « لعنَ اللهُ بني أميّةَ قاطبة » لا يشملُ المؤمنَ منهم؛ لأنّ ملاكَ اللعنِ مُنتفٍ في المؤمن؛ باعتبارِ أنّ اللعنَ يكونُ بملاكِ البُعدِ والشقاوةِ لا بملاكِ القُربِ والسعادة، ولا شكّ أنّ المؤمنَ قريبٌ وسعيد، فالمؤمنُ مِن بني أميّةَ خارجٌ عن حُكم اللعن. إذن: خطابُ « لعنَ اللهُ بني أميّةَ قاطبة » ليسَ شامِلاً لجميعِ أفرادِ بني أميّةَ بحيثُ لا يشذّ منهم أحد، بل هو خطابٌ ظاهريٌّ عام، لكنّه مُخصّصٌ بمُخصّصٍ يُخرِجُ المؤمنينَ منه. ولو سألتَ: ما فائدةُ إلقاءِ خطابٍ عامٍّ مع خروجِ بعضِ الأفرادِ منه؟ قلتُ: الفائدةُ في إلقاء الخطابِ العامِّ ثمّ تخصيصِه هي ضربُ القاعدةِ الكليّة ليكونَ أصلاً عند الشكِّ والشُّبهة، فعندَ الشكّ في خروجِ فردٍ من العمومِ يُرجعُ للقاعدةِ الكُليّة، بيانُ ذلك: لو شككنا أنّ فلاناً مِن بني أميّةَ غيرُ مؤمنٍ حتّى يجوزَ لعنُه بمُقتضى عموم « لعنَ اللهُ بني أميّةَ قاطبة »، أم أنّه مؤمنٌ فلا يجوزُ لعنُه، فنحنُ لا ندري إن كانَ مؤمِناً أو غيرَ مؤمن، ففي المقامِ يُرجعُ إلى عموم « لعنَ اللهُ بني أميّةَ قاطبة » لإثباتِ جوازِ لعنِه والتبرّي منه، وهذا يلازمُه أنّه شقيٌّ وبعيد، أي أنّه غيرُ مؤمن، فالأصلُ والقاعدةُ الأوليّةُ في بني أميّةَ هوَ عدمُ الإيمانِ وجوازُ اللعن، خرجَ منهُ المؤمنُ فقط، وعند الشكِّ في أنّ فلاناً خارجٌ أو لا، مؤمنٌ أو غيرُ مؤمن، فهو شكٌّ في خروجِ الفردِ منَ العموم، فيُتمسّكُ عندئذٍ بالعموم. ويمكنُ أن يكونَ الخطابُ عامّاً غيرَ مُخصّصٍ، وذلكَ بأن يكونَ المرادُ هو لعنُ مَن يكونُ مِن بني أميّةَ موصوفاً بعدمِ الإيمانِ وبالبُغضِ لأهلِ البيتِ (عليهم السلام)، فيكونُ الأمويُّ غيرُ المُتّصفِ بهذا الوصفِ خارجاً؛ إذ ربّما يكونُ شخصٌ مِن قومٍ وليسَ منهم، كما في سلمان الفارسيّ الذي وردَ فيه: « سلمانُ منّا أهلَ البيت »، فسلمانٌ المُحمّديّ مُنتسبٌ لأهلِ البيت (عليهم السلام) معَ أنّهم ليسَ منهم إذ ليسَ مِن أولادِ عبدِ المطّلب، وكما في قولِه تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ} [سورةُ هود: 46] إذ سُلبَ عنه ولدُه لكُفره، وفي قولِ إبراهيم (عليهِ السلام): {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [سورةُ إبراهيم: 36] فإنّه جعلَ مَن يكونُ مُتّبعاً له منه. وعلى هذا، يكونُ الملحوظُ في موضوعِ اللعنِ هو عنوانُ بني أميّةَ مع صفتِهم وسمتِهم منَ النهجِ والفكرِ والاعتقاد، لا عنوانَ بني أميّةَ كأشخاص، وقد استُغني في الخطابِ عن قيدِ الوصفِ باعتبارِ رسوخِ الفكرِ العاطلِ والاعتقادِ الباطل فيهم واشتهارِهم بها حتّى صارَ نفسُ عنوانِ (بني أميّة) كافياً عن بيانِ الاعتقادِ الباطلِ والبغضِ لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، بل أضحى هذا العنوانُ مُشيراً إلى النصبِ والبغضِ لأهلِ البيت (عليهم السلام)، فيُقالُ لغيرِ الأمويّ نسباً: (فلانٌ أمويّ) يعني مُبغضٌ لأهلِ البيت (عليهم السلام) ومُنحرفٌ عنهم. وقد وردَت روايةٌ بخصوصِ حالِ (سعدٍ بنِ عبدِ الملكِ الأمويّ)، ففي كتابِ [الاختصاصِ ص85] بالإسنادِ عن أبي حمزةَ، قالَ: « دخلَ سعدٌ بنُ عبدِ الملك ـ وكانَ أبو جعفرٍ (عليهِ السلام) يسمّيهِ سعدَ الخير، وهوَ مِن ولدِ عبدِ العزيزِ بنِ مروان ـ على أبي جعفرٍ (عليهِ السلام)، فبينا ينشجُ كما تنشجُ النساءُ قالَ: فقالَ له أبو جعفرٍ عليهِ السلام: ما يُبكيكَ يا سعد؟ قالَ: وكيفَ لا أبكي وأنا منَ الشجرةِ الملعونةِ في القرآن؟ فقالَ له: لستَ منهم، أنتَ أمويٌّ منّا أهلَ البيت، أما سمعتَ قولَ اللهِ (عزَّ وجلّ) يحكي عن إبراهيم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} ».وسعدٌ هذا المُلقّب بـ(سعدِ الخير) أرسلَ له الإمامُ الجوادُ (عليهِ السلام) رسالتين تتضمّنُ وصايا شريفةً في الاعتقادِ والعمل، أوردَها ثقةُ الإسلامِ الكُلينيّ في [الكافي ج8 ص52] تحتَ عنوان: « رسالةُ أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) إلى سعدٍ الخير »، وفي هامشِ بعضِ النُّسخ: « وهوَ سعدٌ بنُ عبدِ الملك الأمويّ صاحبُ نهرِ السعيدِ بالرّحبة »، وقالَ العلّامةُ النمازيّ في [مُستدركاتِ علمِ الرجال ج4 ص30]: « له كتابانِ مِن مولانا الجوادِ (عليهِ السلام)، يظهرُ منها حُسنُه وكمالُه ».ومنَ المؤمنينَ من بني أميّةَ (خالدٌ بنُ سعيدٍ بنِ العاص بنِ أميّة)، قالَ الشيخُ البُرقيّ في [الرجالِ ص63]: « أسماءُ المُنكرينَ على أبي بكر، وهُم إثنا عشرَ رجلاً، ستّةٌ منَ المُهاجرينَ وستّةٌ منَ الأنصار، منَ المُهاجرين: أبو ذرٍّ الغفاريّ، سلمانٌ الفارسيّ، خالدٌ بنُ سعيدٍ بنِ العاص، المقدادُ بنُ الأسود، بُريدةُ الأسلميّ، عمّارٌ بنُ ياسر.. »، وقالَ السيّدُ محمّدٌ مهدي بحرُ العلوم في [الفوائدِ الرجاليّةِ ج2 ص325]: « خالدٌ بنُ سعيدٍ بن العاص، أبو سعيدٍ، نجيبُ بني أميّة، منَ السابقينَ الأوّلينَ، ومنَ المُتمسّكينَ بولاءِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) »، وقالَ المُحقّقُ النمازيّ الشاهروديّ في [مُستدركاتِ علمِ الرجال ج3 ص308]: « وروى العلّامةُ المامقانيّ رواياتٍ تدلّ على حُسنِه وجلالتِه ونهايةِ إخلاصِه لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وهوَ منَ الاثني عشرَ الذينَ أنكروا على أبي بكرٍ بيعتَه، وهوَ معَ أخويه أبان وعمرو لم يُبايعوا أبا بكر، وتبعوا أهلَ بيتِ النبوّةِ والرّسالة ». ويمكنُ أن يُعدَّ (معاويةُ بنُ يزيد بنِ معاويةَ بنِ أبي سفيان) مِن مؤمني بني أميّةَ على قولٍ؛ إذ ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنّه مِن أهلِ النجاةِ، وأنّه مِصداقٌ لقولِه تعالى: {يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ}، وهو في بني أميّةَ كمؤمنِ آلِ فرعون، ويستدلُّ له بأنّ معاويةَ هذا اعتزلَ الخلافةَ لأنّه يرى الإمامَ السجّادَ (عليهِ السلام) أولى بها منه، فهوَ مُعتقدٌ بالإمامةِ الحقّة، كما يعتقدُ بأحقّيّةِ أميرِ المؤمنينَ وأولادِه (عليهم السلام) مِن أبيه يزيد وجدِّه معاوية. [ينظر: مجالسُ المؤمنينَ ج2 ص252]. هذا، وقد ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنّه ليسَ مِن أهلِ النجاةِ [ينظر: رياضُ الأبرار ج2 ص54]، وذهبَ آخرونَ إلى التوقّفِ في حالِه؛ لتعارضِ الأدلّةِ في شأنِه [ينظر: أجوبةُ المسائلِ للسيّدِ الرّوحاني ج2 ص127]. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق