ما القراءاتُ المشهورةُ التي كانَت مُتداولةً في زمنِ المعصومينَ (عليهم السلام) ومِن أينَ نحصلُ عليها؟
لقد أجيب عن هذا السؤال كثيرًا، ولكن لم نصل إلى المراد. فالمراد هو ما هي القراءات التي كانت على زمن المعصومين"ع" بغض النظر عن السبعة أو العشرة؟ وللتوضيح نقول: من أين نحصل على القراءات الجائزة وأين نجدها؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،أمّا الشقُّ الأوّلُ منَ السؤالِ فنقولُ: هناكَ قراءتانِ مُعتمدتانِ عندَ مدرسةِ أهلِ البيت عليهم السلام، إحداها : قراءةُ أبي بنُ كعب، والدليلُ على ذلكَ ما رواهُ ثقةُ الإسلامِ الشيخُ الكُلينيّ في كتابِه الكافي (ج4/ص674) عن مُحَمَّدُ بنُ يَحيَى عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ عَن عَلِيِّ بنِ الحَكَمِ عَن عَبدِ اللَّه بنِ فَرقَدٍ والمُعَلَّى بنِ خُنَيسٍ قَالا كُنَّا عِندَ أَبِي عَبدِ اللَّه ع ومَعَنَا رَبِيعَةُ الرَّأيِ فَذَكَرنَا فَضلَ القُرآنِ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللَّه ع إِن كَانَ ابنُ مَسعُودٍ لَا يَقرَأُ عَلَى قِرَاءَتِنَا فَهُوَ ضَالٌّ فَقَالَ رَبِيعَةُ ضَالٌّ فَقَالَ نَعَم ضَالٌّ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبدِ اللَّه ع أَمَّا نَحنُ فَنَقرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيٍّ. والقراءةُ الثانية: قراءةُ حفصٍ بنِ سُليمان عن عاصمٍ بنِ أبي النجود عن أبي عبدِ الرحمنِ السلميّ عن أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام، وهي إحدى القراءاتِ السبعِ المشهورةِ بينَ العامّةِ والخاصّة. ثُمَّ إنّه يجوزُ القراءةُ بإحدى القراءاتِ السبعِ المشهورة، غايةُ ما في الأمرِ أنّ علماءَ الإماميّةِ نبّهوا على أنّ القرآنَ العظيم نزلَ بحرفٍ واحد، لا على سبعةِ أحرفٍ كما هوَ مشهورٌ بينَ علماءِ الجمهور، إذ يقولُ الشيخُ الطوسيّ قدّسَ في تفسيرِه التبيان: اعلموا أنّ العُرفَ في مذهبِ أصحابِنا والشائعَ مِن أخبارِهم ورواياتِهم أنّ القرآنَ نزلَ بحرفٍ واحدٍ على نبيٍّ واحد، غيرَ أنّهم أجمعوا على جوازِ القراءةِ بما يتداولهُ القُرّاء ، وأنّ الإنسانَ مُخيّرٌ بأيّ قراءةٍ شاءَ وقرأ، وكرهوا تجريدَ قراءةٍ بعينِها. وبمثلِه صرّحَ أمينُ الإسلامِ الشيخُ أبو عليّ الطبرسيّ في مقدّمةِ تفسيرِه مجمعِ البيان بقولِه : الظاهرُ مِن مذهبِ الإماميّةِ أنّهم أجمعوا على جوازِ القراءةِ بما يتداولهُ القُرّاءُ بينَهم منَ القراءاتِ إلّا أنّهم اختاروا القراءةَ بما جازَ بينَ القرّاءِ وكرهوا تجريدَ قراءةٍ مُنفردةٍ، والشائعُ في أخبارِهم أنّ القرآنَ نزلَ بحرفٍ واحد. وفي كتابِ (تحريرِ الأحكام) (ج1/ص245) للعلّامةِ الحلّيّ عندَ كلامِه على القراءةِ قالَ: السادسُ عشر : يجبُ أن يُقرأ بالمتواترِ ، فلو قرأ بمصحفِ ابنِ مسعود بطلَت صلاته . وفي كتابِ جواهرِ الكلامِ للجواهريّ (ج9/ص293)، قالَ: فالمُعتبَرُ حينئذٍ القراءاتُ السبعُ أو العشرُ ، وظاهرُ الأصحابِ بل هوَ صريحُ البعضِ التخييرُ بينَ جميعِ القراءات ، نعم يظهرُ مِن بعضِ الأخبارِ ترجيحُ قراءةِ أبيّ [يعني أبيَّ بنَ كعب]. وأمّا الشقُّ الثاني منَ السؤال: فنقولُ: هذه القراءاتُ مشهورةٌ بينَ المُفسّرينَ وأهلِ العلم، ومعروفةٌ لديهم بقطعِ النظرِ عن كونِهم منَ العامّةِ أو منَ الخاصّة، وهيَ مُدوّنةٌ في كتبِ القراءاتِ المُنتشرةِ والكثيرةِ، ومُبيّنٌ فيها كيفَ كانَ يقرأ مثلاً حفصٌ بنُ عاصم أو أبيُّ بنُ كعب أو ابنُ عامرٍ أو عاصمٍ أو ابن كثير ، أو غيرُهم منَ القرّاء، ومِن أشهرِ كتبِ القراءاتِ كتابُ (التيسيرِ في القراءاتِ السبع) لأبي عمرو الداني وقد طُبعَ في استانبول، وكتابُ (التذكرةِ في القراءاتِ الثمان) لأبي الحسنِ طاهرٍ بنِ عبدِ المُنعم بنِ غليون، وقد طبعَ الكتابُ في جدّة، وكتابُ التبصرةِ لأبي محمّدٍ مكيّ بنِ أبي طالب القيروانيّ وقد طبعَ الكتابُ بالهندِ بومباي، وكتابُ جمالِ القرّاءِ للسخاوي وقد طبعَ بمكّةَ وغيرُها منَ الكتب، وفي سنةِ 1411 هـ، الموافقِ 1991م ظهرَ كتابُ ((مُعجَمِ القراءاتِ القرآنيّة)) في تسعِ مجلّداتٍ مِن جمعِ وتأليفِ الدكتورِ عبدِ العالِ سالم مكرم والدكتورِ أحمد مختار، وقد قامَ بنشرِ الكتابِ مُنظّمةُ أسوة في طهران، وهذانِ المؤلّفانِ قاما بضبطِ كلِّ ما تناثرَ في الكتبِ التي عُنيَت بوجوهِ القراءةِ التي قرئَت بها كلماتُ القرآنِ العظيمِ مِن متواترٍ وآحادٍ وشاذٍّ، فبإمكانِ أيّ باحثٍ أن يرجعَ إليه ليفيدَ منه. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق