كيف نعالج الوساوس والأفكار الموذيه؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الوسواسُ القهريُّ هوَ نوعٌ منَ الاضطرابِ يصيبُ نظامَ التفكيرِ عندَ الإنسان، فهيَ أفكارٌ غيرُ مرغوبٍ فيها ومعَ ذلكَ تفرضُ نفسَها على ذهنِ الإنسانِ وتدفعُه بشكلٍ قهريٍّ نحوَ سلوكيّاتٍ مُعيّنة، وهناكَ فرقٌ بينَ الهواجسِ والمخاوفِ التي تصيبُ الإنسانَ بسببِ صعوباتِ الحياة ومشكلاتِها وبينَ الوسواسِ القهري، فالمخاوفُ الحقيقيّةُ مُتحكّمٌ فيها في الغالبِ ولها مُبرّراتُها الموضوعيّة كما أنّها تزولُ بزوالِ مُسبّباتِها الخارجيّة، بينَما الوسواسُ ليسَ إلّا مخاوف وصورٌ ذهنيّةٌ مُزعجة تفرضُ نفسَها على الذهنِ حتّى لو لم يكُن هناكَ مُحفّزاتٌ خارجيّةٌ ومُبرّراتٌ موضوعيّة، ولذا قد تستمرُّ هذه الوساوسُ حتّى لو حاولَ الإنسانُ تجاهلَها والتهرّبَ منها، الأمرُ الذي يتسبّبُ في القلقِ والتوتّرِ وعدمِ الراحة، ويتمحورُ الوسواسُ القهريُّ عادةً حولَ موضوعاتٍ مُحدّدةٍ مثلَ المخاوفِ المُختلفة، أو أفكارٍ عدوانيّةٍ مروّعةٍ، أو تصوّراتٍ ضدَّ الدين، أو صورٍ جنسيّةٍ مُنحرفةٍ أو غيرِ ذلك، وتختلفُ أعراضُ هذا الوسواسِ مِن إنسانٍ لآخر كما يختلفُ أيضاً في المقدارِ والحدّة، فقد لا يسلمُ إنسانٌ مِن بعضِ الوساوسِ العابرة، إلّا أنّها عندَ البعضِ قد تتحوّلُ إلى اضطرابٍ دائمٍ يلازمُ الإنسانَ مدى الحياة. وعلى المُستوى العلميّ والطبّي ليسَ هناكَ تشخيصٌ واضحٌ لأسبابِ الوسواسِ القهري، فالبعضُ يُرجعُها إلى حدوثِ تغيّراتٍ في كيمياءِ الجسم الطبيعيّة أو وظائفِ الدماغ، والبعضُ يربطُ بينَها وبينَ الجيناتِ الوراثيّةِ مِن دونِ التمكّنِ مِن تحديدِ الجينِ المسؤولِ عن ذلك، والبعضُ يرجعُها إلى أسبابٍ نفسيّةٍ واجتماعيّة، ومنَ الواضحِ أنَّ الحالةَ النفسيّةَ والظروفَ الاجتماعيّةَ والمُحيطَ الذي يعيشُ فيه الإنسانُ لهُ دورٌ في هذهِ الوساوس، والذي يبدو أنَّ حالةَ الفراغِ وعدمَ الشعورِ بالقيمةِ الشخصيّةِ وانعدامَ الأدوارِ الحياتيّةِ التي يجدُ الإنسانُ فيها نفسَه منَ العواملِ التي تساعدُ على هيمنةِ الوسواسِ القهري، فلا يمكنُ تصوّرُ وجودِ الوسواسِ في حالةِ انشغالِ الذهنِ بأمورٍ واقعيّة، وإنّما يتحيّنُ الوسواسُ أوقاتَ الفراغِ ليرسمَ للذهنِ أفكاراً بديلةً، فالإنسانُ بطبعِه لا يمكنُه العيشُ في الفراغ، وعندَما يكونُ الإنسانُ في حالةٍ منَ الصمتِ والسّكونِ فإنَّ ذلكَ لا يعني أنَّ ذهنَه في حالةٍ منَ الفراغ، ومِن هُنا فإذا لم يُبادِر الإنسانُ بتعبئةِ هذا الفراغِ بشكلٍ إراديّ فإنَّ الوساوسَ ستعملُ على تعبئتِه بشكلٍ قهري، وبذلكَ نفهمُ توصيةَ الدينِ بالتفكّر، فعن الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) قالَ: (لا عبادةَ كالتفكّرِ في صنعةِ اللهِ عزَّ وجل)، وقالَ (عليهِ السلام): (الفكرُ في غيرِ الحكمةِ هوس)، وعن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: (تفكّرُ ساعةٍ خيرٌ مِن عبادةِ سنة). ويبدو أنَّ إشغالَ الذهنِ بالتفكيرِ الإيجابي هوَ العلاجُ الطبيعيُّ للوسواسِ القهري، وهذا لا يتحقّقُ إلّا بتوفّرِ مجموعةٍ منَ المُقدّماتِ، مِنها اكتشافُ قيمةِ الحياةِ والنظرُ لها بعينِ التفاؤل، فالأفكارُ السلبيّةُ تسيطرُ دائِماً على الإنسانِ السلبيّ والمُتشائم. ومِنها الاهتمامُ العلميُّ والمعرفي، فالإنسانُ الذي لا يهتمُّ بتطويرِ نفسِه علميّاً ومعرفيّاً ويقبلُ أن يكونَ رفيقاً للجهلِ سوفَ تهيمنُ عليهِ حتماً الوساوسُ السلبيّة. ومِنها نوعُ الوظيفةِ والدورِ الذي يؤدّيهِ في الحياة، فكلّما يرى الإنسانُ أهميّةً لحياتِه مِن خلالِ دورِه في الحياةِ كلّما كانَت أفكارُه أكثرَ إيجابيّة، بينَما الإنسانُ العاطلُ والمُحبَطُ والمُحتقَرُ اجتماعيّاً سيجدُ عشراتِ المُبرّراتِ لنظرتِه السوداويّةِ وأفكارِه السلبيّة. ومنَ المؤكّدِ أنَّ الإيمانَ والارتباطَ الحقيقيَّ باللهِ تعالى هوَ الذي يُمثّلُ العلاجَ الفعّالَ لمثلِ هذهِ الوساوس الشيطانيّة، فالدينُ مُضافاً لِما يُقدّمُه مِن عقائدَ حقّةٍ تشكّلُ أساساً لفهمِ فلسفةِ الحياةِ والوجود، يعملُ أيضاً على تزكيةِ النفسِ وتربيتِها وبذلكَ يستقيمُ تفكيرُ الإنسانِ وسلوكهُ العملي. ولا يخفى وجودُ طرقٍ خاصّةٍ يتّبعُها الأطبّاءُ النفسيّونَ لمُعالجةِ الاضطرابِ والوسوسةِ القهريّة، ويمكنُ اللجوءُ إليهم في حالِ تحوّلِها إلى مرضٍ إذا لم يتمكّن الإنسانُ بنفسِه التخلّصَ مِنها.
اترك تعليق