هل السببيّةُ والأمورُ العقليّةُ المنطقيّةُ أزليّةٌ أم مخلوقةٌ ؟
السلام عليكم ورحمة الله
لا شكَّ ولا ريبَ أنَّ القواعدَ العقليّةَ ومِنها القواعدُ الرياضيّةُ والمنطقيّةُ كقولِنا (الكلُّ أعظمُ منَ الجُزء)، ممّا لا يختلفُ صدقُها مِن شخصٍ إلى شخصٍ آخر، ولا يتخلّفُ تحقّقُها، فهيَ قواعدُ دائمةُ الصّدق، لكنَّ هذا لا يعني أنّها أزليّةٌ وقديمةُ الوجودِ كقدمِ اللهِ تباركَ وتعالى، فهوَ مَن وضعَها لأنّها مُقتضى علمِه وقدرتِه، وهوَ مَن أرادَ خلقَ العالمِ بأحسنِ صورةٍ مُمكنةٍ، فلابدَّ أن يخلقَه حينئذٍ وفقَ نظامِ السببيّةِ وتسيرُ الحوادثُ وفقَ القواعدِ المنطقيّةِ والرياضيّة، لأنَّ هذا هوَ مُقتضى الحكمة. فالمُتَأَمِّلَ فِي هَذَا الكَونِ الوَاسِعِ يَرَى أَنَّ النِّظَامَ سُنَّةٌ مِن سُنَنِ اللهِ الكَونِيَّةِ فِي الخَلقِ؛ فَالكَونُ كُلُّهُ يَسِيرُ وَفقَ نِظَامٍ دَقِيقٍ، وَتَرتِيبٍ بَدِيعٍ، وَتَنسِيقٍ مُحكَمٍ، وَإِتقَانٍ يُبهِرُ العُقُولَ، وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ فَتِلكَ صَنعَةُ بَدِيعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الجِبَالَ تَحسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنعَ اللَّهِ الَّذِي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ} [النمل: 88]. وقال ايضاً: {الَّذِي أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ}. السجدة:7. ومُقتضى إتقانِ خلقِه العالَمَ أن يخلقَه وفقَ هذهِ القواعدِ العقليّةِ والرياضيّةِ وأن يسيرَ وفقَ نظامٍ دقيقٍ مُحكم. وبعبارةٍ أخرى كانَ اللهُ ولم يكُن شيءٌ معَه، فهوَ القديمُ الذاتيُّ والأزليُّ الوحيدُ فأرادَ خلقَ العالمِ بأحسنِ تقويم، ولكي يُحقّقَ ما أرادَه لابدَّ أن يخلقَه وفقَ نظامٍ دقيق، فخلقَه وفقَ نظامِ السببيّةِ؛ وأجرى الأمورَ وفقَ القواعدِ المنطقيّةِ والرياضيّة. فهوَ مَن وضعَ هذهِ القواعدَ وهيَ بهذا المعنى مخلوقةٌ حادثة.
اترك تعليق