هل التشكيكُ في الدينِ حالةٌ نفسيّةٌ أم لا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : هناكَ فرقٌ بينَ الشكِّ المنهجيّ الذي يبحثُ عن اليقين، وبينَ الشكِّ النفسيّ الذي يعملُ على زعزعةِ اليقين، فالأوّلُ مصدرُه التأمّلُ العقليّ والبحثُ العلميّ، بينَما الثاني مصدرُه الوساوسُ والأوهام، وإذا جازَ لنا أن نُميّزَ بينَ كلمةِ الشكِّ وكلمةِ التشكيكِ يمكنُنا أن نقولَ إنَّ الشكَّ مطلوبٌ والتشكيكَ مرفوضٌ، وبذلكَ نكونُ خصّصنا كلمةَ التشكيكِ للجانبِ النفسيّ بينَما خصّصنا كلمةَ الشكِّ للجانبِ العلميّ والمنهجي، وعليهِ تكونُ الإجابةُ على السؤالِ أنَّ التشكيكَ في الدينِ دائماً حالةٌ نفسيّة. أمّا إذا كانَ الشكُّ والتشكيكُ يحملانِ معنىً واحداً كما هوَ حالُهما في اللغة، فحينَها لا يمكنُ أن يكونَ (الشكُّ أو التشكيك) في الدينِ حالةً نفسيّةً دائماً، بل قد يكونُ نفسيّاً قائماً على الوسوسةِ والأوهامِ وقد يكونُ منهجيّاً قائماً على مُبرّراتٍ عقليّةٍ وموضوعيّة. وكونُ الشكِّ المنهجيّ مقبولاً كمنهجيّةٍ علميّةٍ لا يعني فتحَ البابِ واسعاً للشكِّ في الأمورِ الواضحةِ واليقينيّة؛ لأنَّ ذلكَ يُعدُّ نوعاً منَ العبثِ غيرِ المُبرّر، فالشكُّ بالمعنى المنهجيّ لا يحدثُ إلّا بعدَ توفّرِ قرائنَ واحتمالاتٍ عُقلائيّةٍ تستدعي التحقّقَ مِن جديدٍ في المسألة، فمنَ الطبيعيّ أن لا يُشكّكَ الإنسانُ في القناعاتِ القائمةِ على حُججٍ واضحةٍ وأدلّةٍ مُحكمة، ومَن يفعَل ذلكَ يكونُ قد استبدلَ العقلَ بالهوى، والظنونَ باليقين، والحقَّ بالوهم، وهذا ما لا يجوزُ لعاقلٍ الوقوعُ فيه، وعليهِ إذا كانَ الدينُ في مُجملِه أو في بعضِ مسائلِه غيرَ واضحٍ أو ينقصُه الكثيرُ لكي يكونَ يقيناً جازِماً فحينَها لابدَّ مِن مُراجعتِه حتّى تتمَّ إعادةُ بنائِه على أسسٍ متينة، فممارسةُ النقدِ العلميّ على القناعاتِ السّابقةِ بقصدِ التأكّدِ مِن صحّتِها يعدُّ أمراً صحيّاً بل ضروريّاً، وفي غيرِ هذهِ الحالةِ لا يجوزُ فتحُ البابِ لوساوسِ الشيطان لزعزعةِ ما عندَ الإنسانِ مِن يقين، فقد تسالمَ العقلاءُ على أنَّ اليقينَ لا يُنقضُ بالشكِّ، قالَ تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا). وبناءً على ذلكَ يمكنُنا أن نقولَ إنَّ الشكَّ النفسيَّ يقعُ في الاتّجاهِ المُقابلِ للشكِّ المنهجيّ حيثُ يقومُ أساساً على زعزعةِ اليقينِ والارتيابِ في كلِّ ما هوَ حقيقةٌ، وبالتالي هوَ حالةٌ مرضيّةٌ تنتابُ الإنسانَ لتجعلَه في حيرةٍ دائمةٍ وتردّدٍ مُستمرٍّ، قالَ تعالى: (وَارتَابَت قُلُوبُهُم فَهُم فِي رَيبِهِم يَتَرَدَّدُونَ) وقد يعودُ مثلُ هذا الشكِّ إلى اضطراباتٍ نفسيّةٍ بسببِ التربيةِ أو المُحيطِ الفاسدِ أو إلى وساوسَ شيطانيّةٍ أو إلى غيرِ ذلك. وفي المُحصّلة فإنَّ الإسلامَ طالبَ الجميعَ بتحقيقِ اليقينِ وبخاصّةٍ في الأمورِ الاعتقاديّة وعليهِ بابُ البحثِ والتحقيقِ مفتوحٌ أمامَ المُكلّفين، ولا يعني هذا فتحَ الطريقِ أمامَ عبثِ المُشكّكينَ الذينَ ينطلقونَ مِن مُبرّراتٍ غيرِ علميّة، وإنّما يجبُ الالتزامُ بالضوابطِ العلميّةِ والمنهجيّةِ بشكلٍ صارمٍ حتّى لا يكونَ أمرُ الدينِ فوضى بيدِ العابثين، وما يُؤسَفُ له شيوعُ التشكيكاتِ النفسيّةِ في الوسطِ الإسلاميّ مع غيابِ الشكِّ المنهجيّ إلّا في بعضِ النماذجِ المحدودةِ جدّاً.
اترك تعليق