كيفَ ترضعُ عائشةُ الكبيرَ وهيَ لم تُنجِب بمعنى أن لا لبنَ لها؟
االسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،: أوّلاً: وردَت رواياتٌ مُتعدّدةٌ في مصادرِ المُخالفينَ بخصوصِ رضاعِ الكبيرِ عن عائشةَ بنتِ أبي بكر، فقد كانَت تهتمُّ بهذه المسألةِ جدّاً، فتأمرُ أخواتها وبناتِ أخواتِها أن يُرضعنَ مَن أحبَّت أن يراها ويدخلَ عليها منَ الكبار، وربّما هيَ أرضعَت الكبار. ولا يسعُ المجالُ لسردِ الرواياتِ وكلماتِ العلماء، ونكتفي بما ذكرَه ابنُ القيّمِ الجوزيّة في [زادِ المعادِ ج5 ص521 ـ 522] عندَ حديثِه عن ذلك: « إنّ عائشةَ ابتليَت بالمسألةِ، وكانَت تعملُ بها، وتناظرُ عليها، وتدعو إليها صواحباتها، فلها بها مزيدُ اعتناء ». وهذا الاهتمامُ البالغُ والاعتناءُ الزائدُ برضاعِ الكبيرِ ونحوها منَ الرواياتِ العجيبةِ، كاغتسالِها خلفَ ستارٍ رقيقٍ ليرتسمَ خيالُها أمامَ رجلينِ أدخلتهما عليها لتعلّمَهما غُسلَ الجنابة، ممّا يثيرُ علاماتِ استفهامٍ وتعجّبٍ كبيرة. ثانياً: إنّ الثديَ عندَ الفتياتِ قد يدرّ ـ في بعضِ الأحيانِ ـ حليباً أو سائلاً لزجاً، خارجَ فترتي الحملِ والرضاعة، بل حتّى لو كانَت غيرَ مُتزوّجةٍ أيضاً، ولذلك أسبابٌ متنوّعة، فربّما يكونُ الإفرازُ بسببِ ارتفاعِ هرمونِ الحليبِ في الدم، أو وجودِ خللٍ هرمونيّ ما في الجسم، أو بسببِ تناولِ بعضِ الأدوية، أو بسببِ حالةٍ نفسيّة، أو غيرِ ذلك. وقد تعرّضَ لذلكَ الفقهاءُ في مسألةِ تحقّقِ المُحرميّةِ بالإرضاعِ مِن غيرِ لبنِ الحمل، بمعنى: إذا حصلَ لدى الفتاةِ حليبٌ خارجَ فترةِ الحملِ والرضاعة، بسببِ خللٍ هرمونيّ مثلاً، وقد أرضعَت شخصاً عدّةَ مرّاتٍ حسبَ الشرائط، فهل تحرمُ عليه؟ قالَ الشيخُ ابنُ عُثيمين في [الشرحِ المُمتعِ على زادِ المُستنقع ج13 ص440 ـ 441]: « قولُه: (وغيرُ حبلى)، يعني: لو أنّ امرأةً أرضعَت طفلاً من دونِ حمل، وهذا يقعُ كثيراً، فإنّ بعضَ الصبيانِ يبكي، فتأتي امرأةٌ ليسَ فيها لبنٌ ولم تتزوّج، فتلقمُه ثديَها تريدُ أن تُسكتَه، ومعَ المصِّ تدرُّ عليه، ويكونُ فيها لبنٌ، ويرضعُ خمسَ مرّاتٍ أو أكثر، فهل يكونُ ولداً لها؟ يقولُ المؤلّف: لا؛ لأنّه حصلَ مِن غيرِ حمل. وهذا التعليلُ لا يكفي في عدمِ إثباتِ هذا الحُكمِ المُهم، والصّوابُ الذي عليهِ الأئمّةُ الثلاثةُ أنّه مُحرِّم، وأنّ الطفلَ إذا شربَ مِن امرأةٍ خمسَ مرّاتٍ فإنّه يكونُ ولداً لها، سواءٌ كانَت بِكراً، أم آيسةً، أم ذاتَ زوجٍ، فهوَ مُحرِّم بالدليلِ والتعليل. فالدليلُ: عمومُ قولِ اللهِ تباركَ وتعالى: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرضَعنَكُم}، وليسَ في الكتابِ ولا في السنّةِ اشتراطُ أن يكونَ اللبنُ ناتجاً عن حملٍ، فتبقى النصوصُ على عمومِها. والتعليلُ: أنّ الحكمةَ مِن كونِ اللبنِ مُحرِّماً هوَ تغذّي الطفلِ به، فإذا تغذّى به الطفلُ حصلَ المقصود، أمّا الآية: {وَالوَالِدَاتُ يُرضِعنَ أَولاَدَهُنَّ} إنّما سيقَت لبيانِ ما يجبُ على الأمّ مِن إتمامِ الرضاعة. فالصوابُ ـ إذن ـ أنَّ لبنَ المرأةِ مُحرِّم، سواءٌ صارَ ناتجاً عن حملٍ أو عن غيرِ حمل، فلبنُ البِكرِ محرِّم، ولبنُ العجوزِ التي ليسَ لها زوجٌ وأيسَت مُحرِّم ».
اترك تعليق