ملحد يقول : القران متناقض !!

ينشر أحد المعتقدين بالإلحاد: القران يطالب المسلمين بقتال الكفار {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} ويسخر من مقدسات الاخرين {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ولكن يعترض عن سب الالهه او معتقدات الغير مسلمين {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} فاي تناقض هذا

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :لا وجودَ للتّناقضِ بينَ الموضوعاتِ المُختلفةِ ولا يشملُ القضايا التي تحكمُها سياقاتُها الخاصّة، فالتناقضُ لا يتحقّقُ إلّا بتحقّقِ مجموعةٍ منَ الشروطِ تمَّ ذكرُها في كتبِ المنطقِ، ومِنها أن يكونَ هناكَ اتّحادٌ في الموضوع، واتّحادٌ في المحمولِ، واتّحادٌ في الزمانِ، واتّحادٌ في المكان، وهكذا اتّحادٌ في الإضافةِ، والقوّةِ والفعلِ، والجُزءِ والكلِّ، وإذا اختلَّ أيُّ شرطٍ مِن هذهِ الشروطِ ينتفي وقوعُ التناقض. وفي هذا الموردِ هناكَ اختلالٌ واضحٌ في شروطِ التناقضِ، مِن حيثُ الموضوع والمحمول والزمان والمكان وبقيّة الشروطِ، فالآيةُ الأولى وهيَ قوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثخَنتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الحَربُ أَوزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنهُم وَلَٰكِن لِّيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعمَالَهُم) حيثُ تتحدّثُ الآيةُ عن الحربِ في حالِ وقوعِها بينَ المؤمنينَ وبينَ الكفّارِ، وقوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يدلُّ على استعدادِ الطرفينِ للقتالِ وتحرّكِ كلِّ واحدٍ منهُم في اتّجاهِ الآخرِ حتّى يلتقيا في مكانٍ يجمعُ بينَهما، ومنَ الطبيعيّ في هذه الحالةِ أن يحثّهم القرآنُ على القتالِ بكلِّ شدّةٍ وقوّة، ولذلكَ أمرَهم بضربِ الرقابِ بوصفِها الوسيلةَ الأسرعَ في القضاءِ على الخصم، ومِن ثمَّ تبيّنُ الآيةُ حُكماً آخرَ بعدَ تحقيقِ النصرِ واتمامِ السّيطرةِ وهوَ أسرُ مَن تبقّى مِنهم، والاحتفاظُ بهم إلى أن تضعَ الحربُ أوزارَها لينظروا بعدَ ذلكَ في أمرِهم، فإمّا أن يمنّوا عليهم بإطلاقِ سراحِهم وإمّا أن يطلقوا سراحَهم في قبالِ فدية. أمّا الآيةُ الثانيةُ وهيَ قوله تعالى: (أُفٍّ لَكُم وَلِمَا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعقِلُونَ) فقد جاءَت في سياقٍ وموضوعٍ مُختلفينِ تماماً عن موضوعِ وسياقِ الآيةِ الأولى، حيثُ تتحدّثُ هذه الآيةُ عن الحوارِ الذي وقعَ بينَ سيّدِنا إبراهيم (عليهِ السلام) وبينَ قومِه بعدَ أن عمدَ إلى تكسيرِ أصنامِهم، فإذا نظرنا للآياتِ التي جاءَت قبلَ هذهِ الآيةِ ووقفنا على طبيعةِ الحوارِ الذي دارَ بينَهما، لعرَفنا أنَّ قولَ إبراهيم (أُفٍّ لَكُم) هو الردُّ الطبيعيُّ على موقفِهم المُتعنّت، قالَ تعالى: (قَالُوا أَأَنتَ فَعَلتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبرَاهِيمُ (62) قَالَ بَل فَعَلَهُ كَبِيرُهُم هَٰذَا فَاسأَلُوهُم إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِم فَقَالُوا إِنَّكُم أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِم لَقَد عَلِمتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُم شَيئًا وَلَا يَضُرُّكُم (66) أُفٍّ لَّكُم وَلِمَا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعقِلُونَ)، حيثُ أقرّوا بأنّهم يعبدونَ ما لا ينفعُهم ولا يضرُّهم، وحكموا على أنفسِهم بأنّهم هُم الظالمونَ، إلّا أنّهم انتكسوا بعدَ ذلكَ وأنكروا الحقائقَ الواضحة، فمنَ الطبيعيّ أن يزدري إبراهيمُ (عليهِ السلام) طريقتَهم في التفكيرِ ويصفَهم بعدمِ التعقّلِ، فكلمةُ (أفٍّ لكم) في اللغةِ تعني إظهارَ التضجّرِ والازدراء وهيَ بمعنى (قُبحاً لكم)، وإذا سألنا هذا المُلحدَ الذي يدّعي التعقّلَ ويبحثُ عن التناقضِ ما هوَ موقفُك ممَّن يعبدُ الأصنامَ وهوَ يقرُّ بأنّها لا تنفعُه ولا تضرُّه، هل يزدري تفكيرَهم أم يراهُ تفكيراً سليماً؟ وما هيَ العبارةُ التي يراها مُناسبةً للردِّ عليهم إذا كانَ في مقامِ إبراهيم؟ أمّا الآيةُ الثالثةُ وهيَ قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرجِعُهُم فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ)، حيثُ تؤكّدُ الآيةُ على منعِ التعدّي على مُقدّساتِ الآخر، وقد علّلَت الآيةُ ذلكَ بقولها: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ) وفي ذلكَ درجةٌ عاليةٌ منَ الإشفاقِ على المُشركينَ بأن لا يتورّطوا في مُعاداةِ الحقِّ وهم لا يعلمون، كما أنَّ الآيةَ قد أكّدَت على أخلاقيّاتِ القرآنِ في التعاملِ معَ الخصمِ، حيثُ لم تُجِز التعدّي عليهم بالقولِ القبيحِ ناهيكَ عن التعدّي بالأفعالِ والجوارح، ولذلكَ نجدُ أنَّ القرآنَ قد أسّسَ لقاعدةٍ مُحكمةٍ وهيَ قوله تعالى: (ادعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ) فالعلاقةُ معَ المُخالفِ تقومُ على دعوتِه بالتي هيَ أحسن ولا يمكنُ إجبارُه على الإيمانِ بأيّ شكلٍ مِن أشكالِ الإكراه، ومِن ذلكَ يتأكّدُ بأنَّ الحربَ هيَ خيارٌ عارضٌ يأتي في مرتبةٍ مُتأخّرةٍ لردِّ العدوانِ، قالَ تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلَا تَعتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعتَدِينَ)، حيثُ نصَّت الآيةُ على منعِ الاعتداءِ وأجازَت القتالَ في حالِ ردِّ العدوان، فقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعتَدِينَ) نفيٌ لشرعيّةِ أيّ قتالٍ باسمِ اللهِ يكونُ فيهِ اعتداءٌ، أي أنَّ اللهَ بريءٌ ممَّن يحاربُ باسمِه وهوَ مُعتدٍ، إذ كيفَ يعتدي باسمِ اللهِ واللهُ لا يحبُّ المُعتدين؟ وفي آيةٍ أخرى تأمرُهم بالتوقّفِ عن القتالِ إذا توقّفَ خصمُهم، قالَ تعالى: (وَقَاتِلُوهُم حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوا فَلَا عُدوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)، وقالَ تعالى: (فَإِنِ اعتَزَلُوكُم فَلَم يُقَاتِلُوكُم وَأَلقَوا إِلَيكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُم عَلَيهِم سَبِيلًا)، أمّا في حاِل لم يعتزلوكم ولم يلقوا إليكم السلمَ ولم يكفّوا أيديهم عنكُم فمِن حقّكم قتالهم، قالَ تعالى: (فَإِن لَّم يَعتَزِلُوكُم وَيُلقُوا إِلَيكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيدِيَهُم فَخُذُوهُم وَاقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم).وعليهِ فإنَّ القاعدةَ العامّةَ في القتالِ والسّلمِ يمكنُ الوقوفُ عليها مِن خلالِ هاتينِ الآيتين وهيَ قوله تعالى: (لَّا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُم فِي الدِّينِ وَأَخرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُم وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخرَاجِكُم أَن تَوَلَّوهُم ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وفي المُحصّلةِ لا وجودَ للتّناقضِ فيما أشارَ إليهِ هذا المُلحد، وإنّما التناقضُ فقط موجودٌ في عقلِه الذي قادَه إلى الإلحادِ وإنكارِ البديهيّات، قالَ تعالى: (وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا).