ما هو المُرادَ بمُلكِ اليمين عند الشيعة ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : إنَّ المُرادَ بمُلكِ اليمين: هُم الأرقّاءُ المَملوكونَ لمَن ملكَهم عبيداً، ذكوراً أو إناثاً. والمقصودُ بقولِه (أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم): النساءُ مِنَ الرّقيقِ، وهُنَّ الإماء، إذ يحقُّ لمالكهنَّ أن يطأهنَّ مِن غيرِ عقدِ زواجٍ، ولا شهودٍ، ولا مهر. وسببُ حصولِ مُلكِ اليمينِ هوَ جهادُ المُسلمينَ للكافرين، فإن غلبوا عليهم تُصبحُ نساءُ الكُفّارِ المُحاربينَ سبايا تنطبقُ عليهنَّ أحكامُ الرقِّ، ومُلكِ اليمين، وهذا هوَ المعروفُ بينَ أهلِ العلم. وهاهُنا ملاحظاتٌ لا بُدَّ مِن بيانِها: إحداها - أنَّ مَن يتتبّعُ الأحداثَ التأريخيّةَ قبلَ مجيءِ الإسلامِ سيرى أنَّ الإسلامَ ليسَ هوَ السببَ في مُلكِ اليمين، وإنّما كانَت هذهِ القضيّةُ منَ القضايا المعروفةِ والمشهورةِ قبلَ الإسلامِ كشأنِ غيرِها منَ القضايا التي كانَت سائدةً في الجاهليّةِ، كشُربِ الخمرِ والطوافِ بالبيتِ عُراةً ووجودِ الآلهةِ الجاهليّةِ والأصنامِ في الكعبةِ وعليها وفي كلِّ مكانٍ وغيرِ ذلك، ولذا لا ينبغي لعاقلٍ مُنصفٍ أن يستعملَ منَ العباراتِ التي يُرادُ مِن ورائِها النيلُ منَ الإسلامِ كعبارةِ سوقِ النخاسةِ الواردةِ في سؤالِ السّائل. والثانيةُ - أنَّ الحكمةَ مِن تشريعِ الإسلامِ لمُلكِ اليمينِ مِن دارِ الحربِ هوَ أنّهُ الخيارُ الأقلُّ ضرراً لو أنصفنا، فإنَّ الموقفَ منَ الأسيرِ في الحربِ لا يخلو مِن أمورٍ: فهوَ إمّا أن يُقتل، وإمّا أن يُحرَّر، وإمّا أن يُسجَن، وإمّا أن يدخلَ في حُكمِ مُلكِ اليمين. ونحنُ إذا دقّقنا في هذهِ الاحتمالاتِ فمنَ الواضحِ أنّ القتلَ سيكونُ هوَ أسوأ الاحتمالات. وذلكَ لأنَّ تحريرَ أسيرِ العدوّ قد يجعلهُ يعيدُ الكرّةَ مرّةً أخرى فيقاتلُ المُسلمينَ في ساحةِ الحربِ. وأمّا السجنُ، فإنّه يستدعي موازنةً ماليّةً كبيرةً، ومواردَ بشريّةٍ كثيرة، ومعَ ذلكَ فإنّه لا يفيدُ عادةً في تغييرِ فكرِ السجينِ، وسلوكِه، واتّجاهِه، بل قد يساعدُ على مزيدٍ منَ التشنّجِ تجاهَ ساجنيه. فلا مناصَ مِن خيارِ توزيعِ الأسرى بينَ بيوتاتِ المُسلمين، بصفةِ مُلكِ اليمين، فيتعلَّمونَ مِن دينِهم فِكرًا وسلوكًا، ممّا يؤثِّرُ في هدايتِهم إلى الدينِ الإسلاميّ، فيكونونَ مُسلمين، بدلَ إعدامِهم، أو بقاءِ عداوتِهم. والثالثةُ: أنَّ الإسلامَ كانَ يتعاملُ معَ القضايا السائدةِ في المُجتمعِ الجاهليّ بنظامِ التدرّجِ في تشريعِ الأحكامِ كما هوَ الحالُ في تحريمِ الخمر، إذ استغرقَ تحريمُه عشرينَ سنةً تقريباً مِن خلالِ ثلاثِ مراحلَ بعدَ السكوتِ عنه لسنواتٍ. وهكذا الحالُ في شأنِ مُلكِ اليمين، إذ لم يستطِع الإسلامُ تحريمَ ذلكَ ومنعَهُ ومُحاربتهُ في أوّلِ يوم، بل انتظرَ ذلكَ بالتدريجِ ليقومَ بتهذيبِ المُجتمعِ ومنعِ المفاسدِ فيه وإجراءِ الأحكامِ الإسلاميّةِ وتطبيقِها. فمثلاً كانَ المعروفُ في الجاهليّةِ عن مُلكِ اليمين ِالذي هوَ عبارةٌ عن شراءِ عبيدٍ وإماءٍ بأموالٍ كبيرةٍ ليستفيدَ مِنهم المالكُ والسيّدُ في خدمتِه وخدمةِ أهلِ بيتِه وشؤونِهم، فالسائدُ آنذاكَ أنّ أولئكَ العبيدَ والإماءَ في الجاهليّةِ كانوا يعاملونَ كالسّلعةِ والحيوان، فلا يحفظونَ لهم حقوقاً ولا يجدونَ لهُم اعتباراً مُطلقاً، أمّا الإسلامُ فقد حفظَ حقوقَهم وأوصى بالإحسانِ إليهم وإطعامِهم ممّا يُطعمُ السيّدُ والمالكُ به عيالَهُ وعائلتهُ، وكذلكَ إكساءهُ، بل عدَّهم مِن نفسِ أهلِ بيتِ المالكِ وجُزءاً مِن عائلتِه فساوى بينَ السيّدِ والعبدِ وحرّمَ ضربَه أو الاضّرارَ بهِ أو إهانتِه وجوّزَ تزويجَه وضمنَ حُرّيّةَ فكرِه وعقيدتِه بعدَ أن كانَ مُحتقراً ذليلاً لا قيمةَ له. فأتى له الإسلامُ بشيءٍ لم يخطُر ببالِه ولم يُفكِّر به للحظةٍ قبل. ولذلكَ قالَ الكُفّارُ منَ السّادةِ (إنَّ محمّداً قد أفسدَ علينا عبيدَنا وساوى بينَنا وبينَهم). ويدلُّ على ذلكَ قولهُ تعالى: {وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَبِذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُربَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت أَيمَانُكُم إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُختَالًا فَخُورًا} [النساء : 36]. ومنَ الرواياتِ التي تحثُّ على الإحسانِ إلى المملوكِ ما وردَ عن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم مِن كلماتِه الأخيرةِ التي حُفظَت عنه، هيَ قولهُ: "الصلاة، وما ملكَت أيمانُكم، أي الزموا الصّلاةَ، وحقَّ ما ملكَت أيمانكُم" [ينظر: تفسيرُ السّمعاني، تحقيقُ ياسرٍ بنِ إبراهيم وغنيمٍ بنِ عبّاس، ط1، الرياضُ، دارُ الوطن، 1418هـ، ج1، ص427]. وكذا وردَ عن الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام في وصيّتِه: "اللهَ الله في ما ملكَت أيمانُكم. [ينظر: - مِن علماءِ البحرينِ والقطيف، وفيّاتُ الأئمّة، ط1، بيروت، دارُ البلاغة، 1412هـ، ص 85]. وغيرُها منَ الرواياتِ في هذا الصّدد.والرابعةُ: أنَّ المعروفَ بينَ أهلِ العلمِ أنَّ الإسلامَ يحترمُ أموالَ الناسِ الخاصّة، ولـمّا كانَ مُلكُ اليمينِ قد دفعَ في مقابلِه أموالٌ كبيرةٌ وكانَ ذلكَ مُستشرياً ومُنتشِراً في المُجتمعِ وبشكلٍ واسعٍ جدّاً، فليسَ منَ الحكمةِ ولا المصلحةِ أن يأتي الإسلامُ ويُحرّمَ التملّكَ ويُطلقَ العبيدَ منَ السادةِ جبراً وقسراً، ويهدرَ أموالَهم التي بذلوها في مُقابلِ ذلكَ معَ إسلامِهم القريب. فربّما ذلكَ قد يؤدّي إلى صدِّ السْادةِ عن الإسلامِ بسببِ هدرِ أموالِهم الضخمةِ دونَ مُقابل.فضلاً عن إشعالِ الحربِ بينَ المالكِ والمَملوكِ وإثارةِ الحربِ ضدَّ الإسلامِ والمُسلمينَ ومُشرّعِ الإسلام. والخامسةُ: أمّا بالنسبةِ إلى مُعاشرةِ الأمةِ، فهيَ كالزوجةِ للمالِك، إذ إنَّ إحساسَها بأنَّ سيّدَها اشتراها وبذلَ في مُقابلِها الأموالَ الطائلةَ وله الرغبةُ في مُعاشرتِها يدفعها كلّ ذلكَ إلى تقبّلِه والرّضا به وعدمِ الاعتراضِ عليهِ خصوصاً بعدَ أن جعلَ لها الإسلامُ حقوقاً كثيرةً في حفظِ كرامتِها وعدمِ إهانتِها وامتهانِها ومُعاملتِها كالزّوجةِ الحرّةِ واحترامِها، وذلكَ لأنَّ المُسلمَ الذي تملّكَ الأمةَ، عليهِ أن يُدخلَها في بيتِه ويجمعَها معَ نسائِه، ويتولّى الإنفاقَ عليها، وصونَها، وتلبيةَ حاجاتِها جميعاً. ومِن هُنا جازَ له وطؤها، لتحفظَ نفسَها منَ الوقوعِ في البغاءِ أو الزّنا، ولئلّا تتحوّلَ إلى سلعةٍ يتداولُها الطامعونَ، خصوصاً أنّه في الحروبِ التي جرَت على مرِّ العصورِ تعرّضَت النساءُ إلى إباداتٍ جماعيّةٍ مِن قِبلِ غيرِ المُسلمينَ ومثلُ هذا التصرّفِ لا يرتضيهِ الإسلامُ، فالمرأةُ يجبُ أن لا تُقتلَ مِن وجهِ نظرِ الإسلام، لكِن إذا بقيَت تلكَ النساءُ سائباتٍ في الدولةِ الإسلاميّةِ وهنَّ يحملنَ فِكراً مُنحرفاً وعقيدةً فاسدةً فإنَّ ذلكَ يؤدّي إلى انحرافِ المُجتمع، وذلكَ لتأثيرِ النساءِ المعروفِ عموماً في المُجتمع، لكن عندَما يوضعنَ تحتَ ولايةِ رجلٍ مُسلمٍ يختلفُ الحالُ ويكونُ سبباً في دخولهنَّ للإسلام، خصوصاً إذا تمَّ تأمينُ الجانبِ المادّي لهنَّ، فإنهنَّ إن بقينَ مِن دونِ ولايةٍ لأحد يتعرّضنَ إلى الفقرِ والاحتياج، ثمَّ هذا الحُكمُ وهوَ ملكُ اليمينِ سيكونُ سبباً في دخولهنَّ إلى الإسلام، واندماجهنَّ في المُجتمعِ الإسلاميّ. إذ سيعرفنَ مِن كثبٍ حقيقةَ الإسلامِ ومفاهيِمه عموماً، ومدى تقديرِه للمرأةِ واحترامها خصوصاً، فبإسلامهنَّ سيكونُ لهنَّ حُكمٌ آخرُ وهوَ الخلاصُ منَ الرقِّ والعبوديّةِ المغروسةِ في أذهانهنَّ. ولا ينبغي أن يُعترضَ على ذلكَ بما هوَ موجودٌ في تاريخِ المُسلمينَ مِن استمرارِ العبوديّةِ لمدّةٍ طويلة، فإنّ ذلكَ كانَ بسببِ نمطِ الحُكمِ اللاإسلاميّ للخُلفاءِ وأتباعِهم وتكريسِهم لمثلِه في المُجتمعِ المُسلم، فإنَّ عدمَ تطبيقِ الإسلامِ بالصورةِ الصّحيحةِ أدّى إلى طولِ الفترةِ الزمنيّةِ لتحقيقِ الهدفِ الذي رسمَه الشارعُ المُقدّسُ للقضاءِ على العبوديّة، ولولا ذلكَ لكانَ القضاءُ على العبوديّةِ في الإسلامِ في مدّةٍ أقصرَ بكثيرٍ ممّا وقع. والسادسةُ: أنَّ الشارعَ المُقدّسَ لم يكتفِ بذلكَ في مُعالجةِ موضوعِ مُلكِ اليمينِ، بل دعا إلى تحريرِ المماليكِ مُطلقاً بعنوانِ "عتقِ رقبة"، وبيّنَ الثوابَ العظيمَ لهذا العمل، وهوَ ما يظهرُ مِن خلالِ الرواياتِ الآتية: فعن الرسولِ الأكرمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم: "مَن أعتقَ رقبةً، فهيَ فداءٌ منَ النار". [ينظر: ثوابُ الأعمالِ للصّدوق (ره) ص293]. وعن الإمامِ الصّادقِ عليهِ السلام: "مَن أعتقَ رقبةً مؤمنةً وقى كلُّ عضوٍ عضوًا منَ النار". [الكُلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص 178]. وعن الإمامِ الصّادقِ عليهِ السلام: "أربعٌ مَن أتى بواحدةٍ منهنَّ دخلَ الجنّةَ: مَن سقى هامةً ظامئةً، أو أشبعَ كبدًا جائعةً، أو كسا جلدةً عاريةً، أو أعتقَ رقبةً عانيةً. [المجلسيّ، محمّد باقر، بحارُ الأنوار، ج71، ص]. أضِف إلى ذلكَ فإنَّ الإسلامَ شرّعَ عتقَ الرقبةِ في الكفَّاراتِ، فمثلاً في كفّارةِ القتل: عن الإمامِ الصّادقِ عليه السلام: "كفّارةُ القتلِ عتقُ رقبةٍ أو...". [القاضي النّعمان، أبو حنيفة، دعائم الإسلام، ج2، ص 413]. وفي كفّارةِ إتيانِ الصائمِ لزوجتِه في شهرِ رمضان: وردَ أنّ رجلاً سألَ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم: "أتيتُ امرأتي في شهرِ رمضان وأنا صائمٌ، فقالَ له النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم: أعتِق رقبةً...".[ - الصّدوقُ، معاني الأخبار، ص 336]. وفي كفّارةِ الظِّهار: كانَ أهلُ الجاهليّةِ إذا أرادَ الرجلُ مِنهم أن تنفصلَ امرأتُه عنهُ يقولُ لها: أنتِ عليَّ كظهرِ أمّي، فحرَّمَ الإسلامُ هذا الظهار، وفرضَ على مَن يقولَ ذلكَ كفّارةً، والكفّارةُ هيَ ما ذكرَه الإمامُ الرّضا عليهِ السلام حينَما سألَه أحدُهم عَن رجلٍ ظاهرٍ مِن امرأتِه وجاريتِه ما عليه؟ قالَ عليهِ السلام: "عليهِ لكلِّ واحدٍ مِنها كفّارةُ عتقِ رقبة أو...". [ الكُلينيّ، مُحمّد، الكافي، ج6، ص158]. وبذلكَ كانَت الآلافُ منَ الجواري يُعتقنَ سنويّاً، إمّا بسببِ العتقِ الاختياري، كأن يعتقَ ويتزوّجَ، وإمّا بسببِ العتقِ القهري، كأن يكفّر بذلك، وإمّا بسببِ العتقِ الاقتضائي، كأن تكونَ أمَّ ولدٍ قد ولدَت مِن سيّدِها. هكذا حرّرَ الإسلامُ تلكَ النساءَ حتّى لم يَعُد للعبوديّةِ والرقِّ أثر. فبعدَ هذا؛ كيفَ يُقالُ إنَّ الإسلامَ ظلمَ المرأةَ المسبيّةَ بذلك؟ أو أنَّ وطأها بمُلكِ اليمينِ نوعٌ منَ الزنا بالاعتمادِ على الإعلامِ المُضلّلِ ويساعدَهم في ذلكَ كثيرٌ منَ المحسوبينَ على الإسلامِ المُغترّينَ بالحضارةِ الغربيّةِ الذينَ ما عرفوا عن الإسلامِ إلّا اسمَه؟! ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق