الولايةُ للسُّلطانِ الجائر

سلمانُ الفارسي كانَ والياً لعُمرَ على المدائنِ مِمّا يدلُّ على شرعيّةِ خلافةِ عُمر وإلّا كيفَ يجوزُ تولّيهِ أعمالَ الظالمين وتمهيد الحُكمِ لهم وقبض الأموالِ باسمِهم؟

: السيد علي المشعشعي

الجوابُ:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

لا شكَّ أنَّ الأصلَ في العملِ معَ السلطانِ الظالمِ والولايةِ مِن قبلِه، هوَ الحُرمة كما في قولِه تعالى: ﴿ولا تركنوا إلى الذينَ ظلموا فتمسّكُم النار وما لكُم مِن دونِ اللهِ مِن أولياء ثمَّ لا تُنصرون﴾ [سورةُ هود، الآيةُ 113].

وقد ثبتَ في كتبِ مُخالفينا أنَّ عليّاً عليهِ السلام يرى أنَّ عُمرَ كانَ في خلافتِه ظالماً فاجراً (1). وكاذباً آثماً غادراً خائناً (2)

ولكن يجوزُ الولايةُ والعملُ للسّلطانِ الجائرِ في حالاتٍ مُعيّنة:

الأولى: القيامُ بمصالحِ العِباد: بأن يوصلَ الحقَّ إلى مُستحقّيه، ويدفعَ الضرَّ عَن المؤمنين، ويساعدَ الفقراءَ والمُحتاجين، ويقيمَ الحقَّ، ويدفعَ الباطل، ويقضي حوائجَ المؤمنين، روى الكُلينيُّ بسندِه عن زيادٍ ابنِ أبي سلمة قالَ : دخلتُ على أبي الحسنِ موسى (عليهِ السلام) فقالَ لي : يا زياد إنّكَ لتعملُ عملَ السلطان ؟ قالَ : قلتُ : أجل ، قالَ لي : ولمَ ؟ قلتُ : أنا رجلٌ لي مروّةٌ وعليَّ عيالٌ و ليسَ وراءَ ظهري شيءٌ فقالَ لي : يا زيادُ لئِن أسقط مِن جالقٍ فأتقطّعُ قطعةً قطعة أحبُّ إليَّ مِن أن أتولّى لأحدٍ مِنهم عملاً أو أطأ بساطَ أحدِهم إلّا لماذا ؟ قلتُ : لا أدري جُعلتُ فِداك ، فقالَ : إلّا لتفريجِ كربةٍ عن مؤمنٍ أو فكِّ أسرِه أو قضاءِ دينِه ، يا زياد إنَّ أهونَ ما يصنعُ اللهُ بمَن تولّى لهُم عملاً أن يُضربَ عليه سرادقُ مِن نار إلى أن يفرغَ اللهُ مِن حسابِ الخلائق ، يا زياد فإن ولّيتَ شيئاً مِن أعمالِهم فأحسِن إلى إخوانِك فواحدةٌ بواحدة. (الكافي للكُليني: 5 / 109).

وروى الكُلينيّ بسندِه عن عليٍّ بنِ يقطين قالَ : قالَ لي أبو الحسن ( عليهِ السلام ) : إنَّ للهِ عزَّ وجل معَ السلطانِ أولياء يدفعُ بهم عن أوليائِه. (الكافي للكُليني: 5 / 112)

وروى الصّدوقُ بسندِه عن الحُسينِ بنِ يزيد عن الصّادقِ (ع) عن آبائِه عن النبيّ (ص): ألا ومَن تولّى عرافةَ قومٍ ، حبسَهُ اللهُ عزَّ وجل على شفيرِ جهنّم ، بكلِّ يومٍ ألفَ سنة ، وحُشرَ يومَ القيامة ويداهُ مغلولتانِ إلى عُنقِه ، فإن قامَ فيهم بأمرِ اللهِ أطلقَه الله ، وإن كانَ ظالماً هوى به في نارِ جهنّمَ وبئسَ المصير. (الأماليّ للصّدوق، ص518).

وروى الصّدوقُ قال: وقالَ الصادقُ عليهِ السلام : كفّارةُ عملِ السلطانِ قضاءُ حوائجِ الإخوان. (مَن لا يحضُره الفقيه للصّدوق: 3 / 176).

وروى الصّدوقُ بسندٍ صحيح عن زيدٍ الشحّام قال : سمعتُ الصادقَ جعفر بنَ مُحمّدٍ عليهِ السلام يقول : مَن تولّى أمراً مِن أمورِ الناس فعدلَ وفتحَ بابَه ورفعَ سترَه ونظرَ في أمورِ النّاسِ كانَ حقّاً على اللهِ عزَّ وجل أن يؤمنَ روعتَه يومَ القيامةِ، ويُدخلَه الجنّة. (الأماليّ للصّدوق، ص318).

الثانيةُ: الإكراه: وذلكَ فيما إذا أكرهَهُ السلطانُ على الولايةِ وتوعّدَه بتركِها، وكانَ تركُها موجِباً للإضرار، بحيثُ يشقُّ عليهِ تحمّلُ ذلكَ الضّرر. قالَ تعالى: { لَا يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنهُم تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفسَهُ وَإِلَى اللَّهِ المَصِيرُ } [آلُ عمران: 28]

بناءً على ذلك: فعملُ العبدِ الصالح سلمانَ المُحمّدي في ولايةِ عُمر جائزةٌ لِما فيها مِن جلبِ المصالحِ ودفعِ المفاسدِ وقد بذلَ فيها أقصى الجُهدِ للمُحافظةِ على روحِ الإسلامِ وإنقاذِ ما يمكنُ إنقاذُه، عملاً بوظيفتِه الشرعيّةِ كما تجدُ الإشارةَ إلى ذلك في إحدى رسائلِ الإمامِ أميرِ المؤمنين عليٍّ (عليهِ السلام) والتي جاءَ فيها: حتّى رأيتُ راجعةَ الناسِ قد رجعَت عن الإسلامِ يدعونَ إلى محقِ دينِ مُحمّدٍ فخشيتُ إن لم أنصُر الإسلامَ وأهلَه أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكونُ المصيبةُ به علي أعظمِ مِن فوتِ ولايتِكم التي إنّما هيَ متاعُ أيّامٍ قلائل (3).

وجاءَ عن مولانا الصّادقِ (عليهِ السلام) أنّه قال: ما مِن جبّارٍ إلّا وعلى بابِه وليٌّ لنا يدفعُ اللهُ به عن أوليائِنا، أولئكَ لهُم أوفرُ حظٍّ منَ الثوابِ يومَ القيامة (4).

لذا قد أجازَ (عليهِ السلام) لسلمان لمّا وجّهَهُ عُمر أميراً إلى المدائن، فذكرَ ابنُ شهرِ آشوب في المناقب أنَّ سلمان لم يفعَل إلّا بعدَ أن استأذنَ أميرَ المؤمنين عليهِ السلام فأذنَ له (5).

وقد كتبَ سلمانُ إلى عُمرَ بنِ الخطّاب يُبيّنُ فيه أنّهُ عملَ بنهجِ مولاه عليٍّ (عليهِ السلام) لإنصافِ المظلوم والعملِ بالسنّةِ النبويّةِ في الرعيّةِ فجاءَ فيه:

أمّا بعد: فإنّهُ أتاني مِنكَ كتابٌ يا عُمر.. اِعلم: أنّي لم أتوجَّه أسوسُهم وأقيمُ حدودَ اللهِ فيهم إلّا بإرشادِ دليلٍ عالم فنهجتُ فيهم بنهجِه، وسِرتُ فيهم بسيرتِه (يريدُ عليّاً عليهِ السلام).

واعلَم: أنّكَ سيُدركُكَ عواقبُ ظُلمِك في دُنياكَ وآخرتِك، وسوفَ تُسألُ عمّا قدّمتَ وأخّرت، والحمدُ للهِ وحدَه (5).

والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- صحيحُ بنِ حبّان بتحقيقِ الأرنؤوط ج14 ص577

تعليقُ شُعيب الأرنؤوط: حديثٌ صحيح.

2ـ صحيحُ مُسلم ج5 ص152.

3- نهجُ البلاغة، الكتابُ رقم 62.

4- بحارُ الأنوار ج72ص37٩.

5- الدرجاتُ الرّفيعة ص216.

6- الاحتجاجُ للطبرسي ج1ص227.