هل خلق الله تعالى نزعة الشر في الإنسان
الجوابُ:
اختلفَت وجهاتُ النظرِ حولَ الخيرِ والشر في الطبيعةِ الإنسانيّة، وهناكَ نظريّاتٌ متباينةٌ حولَ هذه الطبيعةِ.
النظريّةُ الأولى ترى أنَّ الشرَّ أصيلٌ في الإنسانِ وأنَّ الخيرَ طارئٌ عليه، وقد يميلُ الاتّجاهُ المُتشائمُ في المسيحيّةِ إلى هذا الرأي.
والنظريّةُ الثانية عكسُ النظريّةِ الأولى حيثُ ترى أنَّ الخيرَ هوَ الأصيلُ والشرَّ هوَ الطارئ، فالإنسانُ بطبعِه خيّرٌ إلّا أنَّ ظروفَ الحياةِ هيَ التي فرضَت عليه النزعةَ الشريرة، وقد يميلُ بعضُ المُسلمين لهذهِ النظريّة، وهناكَ ورقةٌ بحثيّةٌ مُقدّمةٌ إلى المؤتمرِ العالميّ الأوّل للتعليمِ الإسلاميّ في مكّةَ المُكرمة يوم 2 أبريل 1977م، قدّمَها الشيخُ جعفر شيخ إدريس منَ السودان، جاءَ فيها: (نخلصُ مِن كلِّ هذا إلى أنَّ الرأيَ الصوابَ هوَ الرأيُ الثالثُ القائلُ بأنَّ الإنسانَ ذو فطرةٍ خيّرةٍ وأنَّ الشرَّ أمرٌ طارئٌ عليه ومجافٍ لفطرتِه. هذا هو الرأيُ الموافقُ للواقعِ الذي نعرفه، والمؤدّي إلى نتائجَ مقبولةٍ، وهوَ الأمرُ الذي يقولُ به الدينُ الحق)
النظريّةُ الثالثة ترى أنَّ الإنسانَ يأتي للوجودِ كالصفحةِ البيضاء خالياً مِن عناصرِ الخيرِ والشر، وفي هذه الحالةِ يصبحُ الخيرُ والشرُّ كلاهما منَ الأمورِ المُكتسبة، إلّا أنَّ هذهِ النظريّةَ لا تكونُ واضحةً ما لم تكُن في طبيعةِ الإنسان شيءٌ يدفعُ الإنسانَ إمّا للخيرِ وإمّا للشر، الأمرُ الذي يعيدُنا للسؤالِ مِن جديد هل الإنسانُ بطبعِه خيّرٌ أم شرير.
والذي يبدو لنا أنَّ هذه الإجاباتِ وقعَت في فخِّ السؤالِ الذي افترضَ أنَّ طبيعةَ الإنسانِ مُردّدةٌ بينَ كونِها خيراً أو شرّاً، وهذا ما لا يمكنُ التسليمُ به لوجودِ فرقٍ بينَ قُدرةِ الإنسانِ على صُنعِ الخيرِ والشرِّ وبينَ أن تكونَ الطبيعةُ الإنسانيّةُ بذاتِها خيراً أو شرّاً، ولفهمِ ذلكَ يجبُ أن نسأل؛ هل الأشياءُ هيَ التي تتّصفُ بالخيرِ والشر أم الأفعالُ هيَ التي تتّصفُ بذلك؟ فمثلاً هل السكّينُ هي التي تتّصفُ بالخير أو الشرُّ أم الفعلُ الذي يتعلّقُ بها هوَ الذي يتّصفُ بذلك؟ وكذلكَ الحالُ في الحشراتِ مثلَ العقاربِ والزواحفِ مثلَ الثعابين والحيواناتِ المُفترسة مثلَ الأسودِ وغيرِ ذلكَ منَ الأمثلة، فإنَّ كلَّ ذلكَ ليسَ شرّاً في طبيعتِه وجوهرِه وإنّما بعضُ أفعالِها هيَ التي تتصفُ بالشر، وهذا خلافُ وصفِنا مثلاً للدمِ بالنجاسةِ والماءِ بالطهارةِ فإنَّ ذلكَ يعدُّ وصفاً لذاتِ العين وليسَ شيئاً آخر، فلا يقالُ الفعلُ الفُلاني نجسٌ أو طاهرٌ وإنّما يقاُل العينُ الفُلانيّة هيَ النجسةُ أو الطاهرة، ومِن هُنا يجبُ أن لا يتعلّقَ السؤالُ عن الخيرِ والشرِّ بالإنسان كعينٍ وذاتٍ وجوهر، وإنّما يجبُ أن يتعلّقَ بالأفعالِ الصادرةِ عن الإنسان، ولقد تطرّقنا في إجابةٍ سابقةٍ إلى أنَّ حقيقةَ الإنسانِ ضمنَ فلسفةِ الإيمانِ بالله هيَ أنَّ اللهَ خلقَ الإنسانَ قبضةً مِن طينٍ ونفخةً مِن روح، وبالتالي لا يحكمُ فعلَ الإنسانِ ميلٌ واحد، فالإنسانُ في المنظورِ القُرآني كائنٌ مُركّبٌ مِن عقلٍ ومِن شهوة، والعقلُ في الإنسان يمثّلُ مركزَ القوّةِ والتميّز، فمنِ خلالِه يُعرفُ الحقُّ ويتسامى على الأنا وحبِّ النفس، بينَما تمثّلُ الشهوةُ مركزَ الضعفِ عندَ الإنسان، فبها يحبُّ نفسَه ويندفعُ إلى هواه فتكونُ بذلكَ مصدراً للأنانيّةِ والحرصِ والطمعِ والحسد وكلِّ الدوافعِ الشريرةِ
وعليه فالإنسانُ ليسَ عقلاً مُجرًداً بلا شهوة، كما أنّه ليسَ شهوةً مُجرّدةً بلا عقل وبالتالي الإنسانُ له القدرةُ على فعلِ الشرِّ كما له القدرةُ على فعلِ الخير ولا يمكنُنا القول أنَّ الإنسانَ بعُنصرِه وطبيعتِه خيرٌ أو شرّ، ومِن هُنا لا نتفهّمُ السؤالَ الذي يقولُ هل خلقَ اللهُ نزعةَ الشرّ في الإنسان؟ لأنَّ الشهواتِ ليسَت شروراً بذاتِها وإنّما توظيفُ الإنسانِ لتلكَ الشهوات هوَ المسؤولُ عن جعلِها خيراً أو شرّاً، فلا وجودَ لنزعةٍ مُتأصّلةٍ تسمّى بنزعةِ الشر وكلُّ ما هوَ موجودٌ هوَ الشهوات التي يمكنُ أن تكونَ مصدراً للشرورِ كما لا يمكنُ أن تكون، وعليهِ فإنَّ السؤالَ الصحيحَ هو قولنا هل أقدرَ اللهُ الإنسانَ على فعلِ الشرّ؟ والإجابةُ على ذلكَ: نعم.
"
اترك تعليق