الحجاب تكليف شرعي وهوية مجتمع

ما حكمُ الشرعِ في وجوبِ فرضِ الحجاب في (بعضِ الجمهوريّاتِ الإسلاميّة)؟ فهل هذا صحيحٌ شرعاً؟ وما الدّليل؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

بحسبِ الصّناعةِ الفقهيّةِ يبدو أنَّ هناكَ موقفينِ مِن فرضِ (بعضِ الجمهوريّاتِ الإسلاميّة) الحجابَ على النساء:

الموقفُ الأوّل: وهوَ الذي يرى أنّ الحجابَ منَ الواجباتِ الشرعيّةِ المُجمعِ عليها إسلاميّاً، وعليه لا يجوزُ للمرأةِ نزعُ الحجاب تحتَ أيّ ظرفٍ منَ الظروف، وفي حالِ التزامِها يحقُّ للدولةِ الإسلاميّةِ تشريعُ القوانين التي تلزمُها بذلك.

الموقفُ الثاني: لا يُشكّكُ هذا الموقفُ في وجوبِ حجابِ المرأةِ إسلاميّاً، ويرى مِن واجباتِ الدولةِ نشرُ ثقافةِ الحجابِ والترويجِ له والتشجيعِ عليه، دونَ أن يكونَ للدّولةِ الحقُّ في فرضِ الحجابِ ومعاقبةِ مَن لم يلتزِم به.

وهناكَ نقاشٌ فقهيٌّ مُفصّلٌ بينَ الموقفين ولكلِّ واحدٍ أدلّتُه التي يراها راجحةً.

إلّا أنَّ الموقفَ الفقهيَّ وحدَه ليسَ كافياً لتحديدِ موقفِ الدّولةِ منَ الحِجاب.

فإذا نظَرنا إلى (بعضِ الجمهوريّاتِ الإسلاميّة) بحسبِ طلبِ السائل، فإنَّ أمرَ الحجابِ له أبعادٌ أخرى غير بُعدِه الفقهيّ والتشريعيّ، فالحجابُ في كثيرٍ منَ الأنظمةِ السياسيّةِ يُنظرُ إليه بوصفِه هويّةَ دولةٍ وشعاراً لرؤيتها الأيدلوجيّة، ففي فرنسا مثلاً تتدخّلُ الدولةُ في فرضِ قوانين تمنعُ الحجاب، وذلكُ لأنَّ نزعَ الحجابِ يُمثّلُ شعاراً للتوجّهِ العلمانيّ للدولة.

ومِن هُنا نرى أنَّ بعضَ الأنظمةِ السياسيّة في الدولِ الإسلاميّة عندَما تبنَّت العلمانيّةَ شرعَت مباشرةً في فرضِ نزعِ الحِجاب، كما هوَ الحالُ في تركيا أيّامَ أتاتورك، وإيران أيّامَ الشاه، وتونس أيّامَ الحبيبِ بورقيبة، ومعَ أنَّ نزعَ الحجابِ في تلكَ الدّولِ يتناقضُ معَ ثقافتِها الإسلاميّة إلّا أنّ تلكَ الأنظمةَ حرصَت على فرضِ نزعِه لكونِه يمثّلُ شعاراً لنظامِهم العلمانيّ.

وبذلكَ نفهمُ حرصَ تلكَ الجمهوريّةِ على فرضِ الحجابِ لكونِه يُمثّلُ شعاراً لنظامِها السياسيّ الإسلاميّ، وعليهِ فإنَّ فرضَ الحجابِ فيها يمثّلُ الموقفَ المُناقضَ للموقفِ العلمانيّ.

وللفائدةِ نُلخّصُ بعضَ ما كتبَته شعبةُ الأخبارِ في المكتبِ الإعلاميّ التابعِ للمرجعِ المُقرّبِ منَ النّظامِ سماحةِ آيةِ الله العُظمى مكارم الشيرازيّ (دامَ ظلّه) حيثُ جاءَ فيه:

إنَّ الحجابَ جزءٌ حيويٌّ لا ينفصلُ عن الثقافةِ الإسلاميّةِ الراقيةِ ولا يحقُّ لأحدٍ كائناً مَن كان أن يُجبرَ المرأةَ المُسلمةَ على تركِ هذهِ الثقافةِ الدينيّة مهما كانَت الأسبابُ لأهميّةِ هذا الحُكمِ الدينيّ القصوى ولوجودِ الآياتِ الدالّةِ عليهِ في كتابِ اللهِ المجيد. فلا يمكنُ لأحدٍ أن ينكرَ هذا الحُكمَ ويُقدّمَ تبريراتٍ خاطئة عنهُ لا تمتُّ بصريحِ ما وردَ في الآياتِ بصلة.

وعليهِ لا شكَّ في أنَّ الحجابَ مِن مُسلّماتِ الإسلام التي تجتمعُ حولهُ آراءُ علماءِ المُسلمينَ كافّة ولا يختلفُ عليهِ اثنان، وأيُّ محاولةٍ للسّفورِ أو كشفِ الحجابِ أو خلعِه جُزئيّاً تتنافى وأحكام الشريعةِ المُقدّسة، ومِن هنا، يجبُ الترويجُ للحجابِ والعفافِ والقضايا العقائديّةِ الأخرى في المُجتمعِ لأنَّ المشاكلَ الاجتماعيّةَ والثقافيّةَ تساعدُ على تفاقمِ المشاكلِ الأخرى في المجالاتِ الاقتصاديّةِ والسياسيّةِ والأمنيّة.

وفي المقابلِ إنَّ السفورَ وعدمَ الالتزامِ بالحجابِ يزعزعُ أركانَ الأسرةِ وعلينا متابعةُ تحقيقِ هذا الحُكمِ كواجبٍ اجتماعيّ ونقفُ سدّاً أمامَ أيّ نوعٍ منَ السّفورِ وشبهِ السّفورِ والعُري. ومَن ينكرُ نتائجَ هذهِ الأفعالِ السلبيّة، فقد خدعَ نفسَه. والحقيقةُ، شِئنا أم أبينا، أنَّ هذهِ الآثارَ تأتي نتاجاً للسّفورِ وشبهِ السفور.

فالنظامُ الإسلاميُّ في إيران سيتعرّضُ لضربةٍ قاسيةٍ لو لم يُحافظ على حجابِ المُجتمع؛ لأنَّ أعداءَ الثورةِ يرصدونَ أيّ مبادرةٍ لكشفِ الحجابِ لاتّخاذها مطيّةً لإضعافِ النظام، فقضيّةُ الحجابِ في إيران خرجَت عن كونِها حُكماً دينيّاً فرعيّاً وتحوّلَت إلى أصلٍ دينيٍّ متين؛ لأنَّ المُسلمينَ المُغتربينَ لا يُعرفُ إسلامُهم إلّا مِن خلالِ التزامِهم بالحِجاب.

ويعارضُ الأعداءُ حُكمَ الحجابِ لإضعافِ الإسلامِ في الخارج كما يحاولُ أعداءُ الثورةِ في الداخل في تأكيدِهم على السفورِ وكشفِ الحجاب، إضعافَ النظام. فيقولُ هؤلاء بأنّنا لو تمكنّا مِن سحبِ هذه الفوطةِ عن رأسِ المرأةِ المُسلمة، فقد تقدّمنا خطوةً كبيرةً نحوَ إضعافِ النظامِ الإسلاميّ ومِن هُنا يأتي تأكيدُنا على الاهتمامِ بالحجابِ في داخلِ الجامعاتِ وخارجها.

إذن يجبُ التأكيدُ على قضيّةِ الحجابِ المهمّةِ لا باعتبارِها منَ المُسلّماتِ والواجباتِ الدينيّةِ بل باعتبارِها مِن ضروريّاتِ الإسلامِ خاصّةً، وقد علمَ مَن يعاشرُ المُسلمينَ في زمنِنا بأنَّ الحجابَ حكمٌ متّفقٌ عليهِ مِن قبلِ الطوائفِ الإسلاميّةِ كافّةً وقد تحوّلَ إلى شعارِ الإسلام والتزمَ به المسلمونَ ومِن هُنا جاءَت خشيتُهم مِن هذا الحُكمِ الدّيني.

وأضافَ سماحتُه قائلاً: يجبُ على الحكومةِ أن تقومَ بواجبِها في هذا المجالِ وتبدأ بإصلاحِ الوضعِ منَ المُنظّماتِ والمؤسّساتِ التي تقعُ تحتَ إمرتِها ومِن جانبٍ آخر يقومُ مجلسُ الشورى بسنِّ قوانينَ ومشاريعَ عمليّةٍ لمكافحةِ المفاسدِ الأخلاقيّة. يجبُ أن تتنحّى الآراءُ والمبادراتُ الفرديّةُ في هذهِ القضيّة جانباً ويتمُّ العملُ بشكلٍ جماعيٍّ ومُنسّقٍ حتّى نتخلّصَ ممّا نعانيهِ مِن مشاكل.

ويتبيّنُ ممّا جاءَ بأنَّ سماحتَه يرى أنّه منَ المُمكنِ الحؤولُ دونَ انتشارِ ظاهرةِ شبهِ السّفورِ باستخدامِ التعميماتِ الإداريّةِ الموجّهةِ نحوَ الدوائرِ والمُنظّماتِ والمؤسّساتِ التعليميّةِ والاستعانةِ بمشروعِ الأمرِ بالمعروف قيدِ التنفيذِ حاليًاً في جميعِ أنحاءِ البلاد.

وقد أشادَ بجهودِ قوّاتِ الشرطةِ الجبّارةِ في مواجهةِ ظاهرةِ شبهِ السّفور. وفي لقائِه مع عددٍ مِن كوادرِ قوّاتِ الشرطةِ أكّدَ سماحتُه على دعمِه لقوّاتِ الشرطةِ في تحرّكِهم ضدَّ المفاسدِ الأخلاقيّةِ وقال إنَّ سعيَ هذه القوّاتِ مشكورٌ لأنَّ ضبّاطَ قوّاتِ الشرطةِ يقومونَ أوّلاً بتوجيهِ إنذارٍ شفويٍّ وبشكلٍ مُحترم لكلِّ مَن لم يلتزِم بالحجابِ وإذا لم يُجدِ هذا الإنذارُ نفعاً أو تسبّبَ في ردّةِ فعلٍ عنيفةٍ مِن قِبلِ مُخترقِ القانون، يلجأ الضبّاطُ إلى التعاملِ القاطعِ لحسمِ الموقفِ ثانيةً. فلا يتوقّعُ هؤلاءِ الأشخاص التشجيعَ والتكريمَ إزاءُ انتهاكِهم للقانون.

وعلى علماءِ الدينِ الدورُ الرياديّ في تحقيقِ حُكمِ الحجابِ والعفاف، فالأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المُنكَر واجبٌ ومسؤوليّةٌ يقومُ بها الجميعُ ولكن تتضاعُف هذه المسؤوليّةُ لدى علماءِ الدين. فعليهم الوقوفُ أمامَ المُنكرات.

فلو انتشرَت ظاهرةُ شبهِ السفورِ وأصبحَت عُرفاً مُتّبعاً في المجتمعِ فلا يمكنُ حينئذٍ القيامُ بأيّ عملٍ ضدّها.

فالممارساتُ الثقافيّةُ تُمثّلُ الحلَّ الأفضلَ لهذهِ الظاهرةِ السلبيّة، فنحنُ لسنا مِن دُعاةِ العُنفِ والتعسّف، ولا حاجةَ للعُنفِ ما دامَ التدبيرُ والحزمُ يفيانِ لإنجازِ الأمور. وعليهِ فمواجهةُ ظاهرةِ شبهِ السفورِ بالمُمارساتِ القسريّةِ لا تُجدي نفعاً والوعظُ والممارساتُ الثقافيّةُ هيَ الطريقُ الأنجعُ للحدِّ مِن هذهِ الظاهرة.

وفي المُحصّلةِ يتصوّرُ أعداؤنا بأنّهم - بنشرِ السفورِ والخلاعة - يمكنُهم أن يوجّهوا ضربةً قاسيةً لنظامِ الحُكمِ في إيران، ونعتقدُ نحنُ بأنّنا لو قضينا على ظاهرةِ السفور، حفِظنا النظامَ الإسلاميّ وعزّزنا موقعَه.

إنَّ الحجابَ قد فُرضَ مِن أجلِ الحفاظِ على شخصيّةِ المرأةِ وشرفِها والحدِّ مِن انحرافِ الشبابِ وانتشارِ الفسادِ في المُجتمعِ الإسلاميّ وكما أنَّ مبدأ ارتداءِ الزيّ والملابسِ لا يتنافى معَ حُرّيّةِ الإنسان، فلا يتنافى الحجابُ مع حُرّيّةِ المرأة أيضاً. وقد اعتبرَ القرآنُ الحجابَ والعفافَ سبباً لطهارةِ القلوبِ والابتعادِ عن وساوسِ الشيطانِ وأهواءِ النّفس.