ما الدليل على صدق محمد ص وانه رسول من الله مع أن كل المعجزات والتنبؤات وقعت لغيره

الجوابُ: 

لم نفهَم قصدَ السّائلِ بأنَّ المُعجزاتِ وقعَت لغيرِه، فالقرآنُ الكريمُ هوَ أهمُّ معاجزِ النبيّ محمّدٍ صلّى اللهِ وآله وسلّم وما زالَت هذهِ المعجزةُ ماضيةً إلى اليوم، فإعلانُ رسولِ الله لدعوتِه كانَ مِقترناً بتبليغِ ما نزلَ عليهِ مِن قرآن، فتحدّاهم به ودعاهُم إلى الاِتيانِ بمثلِه إلّا أنّهم عجزوا عن ذلكَ وما زالَت البشريّةُ عاجزةً إلى اليوم، قالَ تعالى: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الاِنسُ والجِنُّ على أن يَأْتوا بِمثلِ هذَا القرآنِ لا يَأتونَ بَمثلهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لبعضٍ ظهيراً)، وقالَ: (قُل فَأْتُوا بِعَشر سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَياتٍ) (فَأْتُوا بِسُورةٍ مِن مِثلِهِ)، وهناكَ كتبٌ وبحوثٌ مُفصّلةٌ حولَ الإعجازِ القرآني.

فالأصلُ في الحُجّةِ هوَ حصولُ العلمِ ومتى ما حصلَ العلمُ قامَت الحُجّة، وحصولُ العلمِ للإنسانِ له طرقٌ متعدّدةٌ وبأيّ طريقٍ حصلَ العلمُ وتحقّقَ الاطمئنانُ وجبَ على الإنسانُ التصديقُ والجزم، ومِنَ الطرقِ المعمولِ بها لمعرفةِ الصّادقِ منَ الكاذبِ عندَ جميعِ العُقلاء هيَ التحقيقُ في ما يقولُ، فإن كانَ مُطابقاً للحقيقةِ والواقعِ فهوَ صادقٌ وإلّا فكاذب، وما جاءَ به النبيّ محمّدٌ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مطابقٌ لمُحكماتِ العقلِ ومُنسجمٌ معَ واقعِ الفطرةِ الإنسانيّة، وقد تحدّى رسولِ اللهِ كلَّ مَن خالفَهُ بما جاءَ به مِن علمٍ وحقائق، قالَ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ ۚ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا) وعليهِ فإنَّ النظرَ في محتوى الرسالةِ والتدبّرَ في مضامينِها كافٍ لإثباتِ كونِه منَ اللهِ أم مِن نفسِه، ولذا لم يصمُد مِن ادّعاءِ النبوّةِ كذباً أمامَ هذا الامتحانِ حيثُ وقعوا في التناقضِ والتهافتِ مُضافاً للانحرافاتِ السلوكيّة والنفسيّة، وفي المقابلِ لم تثبُت في حقِّ النبيّ الأعظمِ أيّة هفوةٍ أو خطأ، بل كانَ معصوماً في كلِّ أفعالِه وأقوالِه، أمّا الذين عاندوهُ ولم يستجيبوا له لم تكُن لهم حجّةٌ في مقابلِ ما للنبيّ مِن حججٍ، بل قادَهم هواهُم ومنعَتهم مصالحُهم منَ الاستماعِ للحقّ، قالَ تعالى: (فَإِن لَّم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم ۚ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي الْقَومَ الظَّالِمِينَ)، فلا عُذرَ لهُم بعدَ أن أقامَ اللهُ الحُجّةَ عليهم، قالَ تعالى: (فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ) أي أنَّ كلَّ مَن بعثَهُ اللهُ برسالةٍ أظهرَ حُجّتَه على الجميعِ فمَن كفرَ بعدَ ذلكَ إنّما يكفرُ عن بيّنة. 

ويمكنُ أن يُضافَ إلى ذلكَ الاعتمادُ على القرائنِ والشواهد التي توجبُ الثقةَ والاطمئنانَ بصدقِ الرّسل، مثل صلاحِ السّيرةِ وسلامةِ السّريرةِ واستقامةِ السّلوك، كحالِ النبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قبلَ بعثتِه الشريفة.

ومعَ أنَّ القرآنَ الكريم كافٍ في إظهارِ صدقِ رسولِ الله (صلّى اللهِ عليهِ وآله) إلا أنَّ ذلكَ لم يمنَع رسولَ الله مِن إظهارِ بعِض المعاجزِ الحِسّيّة، مثل شقِّ القمر، حيثُ أشارَ الرسولُ (ص) بإصبعِه إلى القمرِ فانشقَّ إلى نِصفين، وهذا ما أكّدَتهُ مجموعةٌ منَ الرواياتِ والأخبار، وكذلكَ جريانُ الماءِ مِن بينِ أصابعِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، حينَما أرادَ الناسُ الصلاةَ خلفَه ولم يجدوا ماءً للوضوء، فوضعَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليه وآله) يدهُ في الإناء وأمرَ الناس أن يتوضّؤوا منه، فبدأ الماءُ ينبعُ مِن بينِ أصابعِه فتوضّأ جميعُهم، كما وردَ عن الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) في الخُطبةِ القاصعةِ أنَّ جماعةً مِن شيوخِ قُريش جاءوا ذاتَ يومٍ إلى النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وطلبوا منهُ أن يدعو الشجرةَ لتأتي إليه وتقفَ بينَ يديه حتّى يؤمنوا بنبوّتِه، فأمر َرسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) الشجرةَ أن تنقلعَ مِن جذورِها بإذنِ الله وتقفَ بينَ يديه، فانقلعَت الشجرةُ بجذورِها وجاءَت ووقفَت بينَ يديه (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ومعَ ذلكَ لم يؤمنوا به ووصفوهُ بالسّاحر، وغير ذلكَ منَ المعاجزِ التي تضمّنَتها كتبُ الحديثِ والسّيرة.