الأسباب النفسية التي تمنع من الإيمان بالله تعالى

لديَّ مُشكلةٌ في الإيمانِ بالله، حاولتُ كثيراً أن أؤمنَ باللهِ ولكِن لا أستطيعُ ما الحلُّ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

وعليكم السّلامُ ورحمةُ الله،

مِن صيغةِ السؤالِ يتّضحُ أنَّ السائلَ مُصدّقٌ بوجودِ الله، ولكنَّ هنالكَ ما يحولُ بينَه وبينَ هذا الإيمان، ولو فصّلَ السائلُ في سؤالِه أكثر لكانَ منَ المُمكنِ الاقترابُ مِن معرفةِ ذلكَ السبب.

ولذلكَ ليسَ بينَ أيدينا غيرَ أن نُقدّمَ تحليلاً عامّاً لِما يشعرُ به السائلُ لعلّنا نلامسُ حلَّ مُشكلتِه.

فإذا جازَ لنا أن نصفَ الشعورَ النفسيَّ للسّائلِ يمكنُنا أن نقول: إنَّ السائلَ يشعرُ بحالةٍ منَ الحيرةِ والتردّدِ، حيثُ يرى مصيرَه في الحياةِ متوقّفاً على اختيارِ موقفٍ مِن بينِ موقفين، ومنَ الطبيعيّ أن يُصابَ الإنسانُ بالاضطرابِ والألمِ النفسيّ عندَما يقودُه المسيرُ إلى مُفترقِ طُرقٍ وهوَ لا يدري أيَّ الطريقينِ يسلك، ويتضاعفُ ذلكَ الاضطرابُ والشعورُ بالألمِ كلّما كانَت الخياراتُ مصيريّةً في الحياة.

وطلبُ السائلِ المساعدةَ في حلِّ مُشكلتِه يؤكّدُ على وجودِ ثلاثةِ أمور:

الأوّلُ: أنَّ السائلَ منزعجٌ بالفعلِ بسببِ الشعورِ المتولّدِ منَ الحيرةِ والتردّد.

الثاني: هناكَ إحساسٌ داخليٌّ يلحُّ على السائلِ بضرورةِ الإيمانِ بالله تعالى، ويتّضحُ ذلكَ مِن قولِه: (حاولتُ كثيراً أن أؤمنَ بالله)

الثالثُ: معَ رغبةِ السائلِ في الإيمانِ إلّا أنّه لا يستطيعُ، وذلكَ مِن قوله: (ولكن لا أستطيعُ ما الحل؟)

ومِن خلالِ النظرِ في هذهِ المُعطياتِ تتّضحُ لنا الحقائقُ التالية:

أوّلاً: ليسَ عندَ السائلِ إشكاليّةٌ في أصلِ وجودِ اللهِ تعالى وبالتالي ليسَ عندَه شُبهةٌ عقليّةٌ تحتاجُ إلى مُعالجةٍ معرفيّة.

ثانياً: مازالَت فطرةُ السائلِ حيّةً ولم يصِل إلى مرحلةِ الختمِ على القلب، فما يشعرُ بهِ مِن رغبةٍ في الإيمانِ بالله هيَ بسببِ إحساسِه الوجوديّ والفطريّ بوجودِ الله تعالى.

ثالثاً: إذا استبعَدنا العقلَ والفطرةَ تتبقّى المشاكلُ النفسيّةُ وهيَ التي تحولُ بينَ السائلِ وبينَ الإيمانِ باللهِ تعالى.

والدوافعُ النفسيّةُ كما هوَ مؤكّدٌ ليسَت واحدةً عندَ الجميع، فما يكونُ دافعاً عندَ البعضِ لا يكونُ دافعاً عندَ البعضِ الآخر، إلّا أنّها جميعُها مُتأثّرةٌ بالظرفِ والمُحيطِ الذي وجدَ فيهِ الإنسان، فشخصيّةُ كلِّ إنسانٍ تختلفُ عن الآخرِ باختلافِ العواملِ البيئيّةِ والسياسيّةِ والاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة.

ولذلكَ منَ الصّعبِ تحديدُ وصفةٍ واحدةٍ تكونُ فعّالةً لحلِّ جميعِ المشاكلِ النفسيّة.

ومِن أكثرِ العواملِ النفسيّةِ انتشاراً بينَ المُلحدين هيَ الهروبُ منَ التديّنِ والالتزام بتعاليمِ الدين وأحكامِه، وقد عبّرَ القرآنُ عن هذا السّببِ بقولِه (أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، فبابُ القلبِ لا يكونُ مفتوحاً على الإيمانِ بالله إذا كانَ بابُ النفسِ مفتوحاً على الأهواءِ والشهوات، قالَ تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بِمَا لَا تَهوَىٰ أَنفُسُكُمُ استَكبَرتُم).

وقد لا يُعاني السائلُ مِن مُشكلةٍ في الالتزامِ الدينيّ إلّا أنَّ ظاهرَ السّؤالِ لا يستبعدُ ذلك، فقولهُ: (حاولتُ كثيراً أن أؤمنَ باللهِ ولكِن لا أستطيع) فعدمُ استطاعتِه يُمكنُ أن تُحملَ على عدمِ تمكّنِه منَ التديّنِ والتقيّدِ بالأحكامِ الدينيّة؛ لأنَّ مُجرّدَ الإيمانِ بالله مِن دونِ أن يكونَ لذلكَ الإيمانِ تبعاتٌ سلوكيّةٌ وعمليّةٌ لا يُعدُّ أمراً صعباً.

وعليهِ لا نستبعدُ أن يكونَ التديّنُ والالتزامُ هوَ الذي منعَ السائلَ منَ الإيمانِ بالله.

والمعالجةُ التي قدّمَها القرآنُ الكريم تقومُ على التفريقِ بينَ العقلِ والهوى، حيثُ أمرَ بالتعقّلِ ونهى النفسَ عن الهوى، ومسؤوليّةُ الإنسانِ في هذا الشأنِ مسؤوليّةٌ فرديّة، فضميرُ الإنسانِ ومسؤوليّتُه الشخصيّة هيَ الضامنُ لتحقيقِ ما أرادَه اللهُ منَ الإنسان، ولا وجودَ لسُلطةٍ خارجيّةٍ يمكنُ أن تُلاحقَ الإنسانَ في التزامِه الدينيّ.

ولذا اعتمدَ القرآنُ الكريم على تبشيرِ الإنسانِ بالجنّةِ أو تحذيرِه منَ النار، فالتحذيرُ منَ العقابِ يجسّدُ الرّحمةَ بالإنسانِ والخوفَ عليهِ منَ المصيرِ المُظلِم، كما أنَّ التبشيرَ بالجنّةِ يُعدُّ عاملاً مُهمّاً مِن أجلِ سيرِ الإنسانِ على جادّةِ الصواب.

وهُنا نقولُ للسّائلِ أنَّ محاولةَ الفرارِ مِن هذهِ المسؤوليّةِ هيَ التي تجعلُ الإنسانَ في حالةٍ مِن عدمِ الاستقرارِ النفسي، والسبيلُ الوحيدُ لتحقيقِ الاطمئنان هوَ الاستجابةُ لنداءِ العقلِ والفطرةِ والابتعادُ عن أهواءِ النفسِ وهواجسِها.

وقد يكونُ السببُ وراءَ هذه الحالةِ التي يُعاني مِنها السائلُ هوَ الوسواسُ القهري، وهوَ نوعٌ منَ الاضطرابِ يصيبُ نظامَ التفكيرِ عندَ الإنسان.

فمعَ أنّها أفكارٌ غيرُ مرغوبةٍ فيها إلّا أنّها تفرضُ نفسَها على ذهنِ الإنسان وتدفعُه بشكلٍ قهريٍّ على تبنّيها، فالشخصُ الذي يُعاني مِن مرضِ الوسواسِ القهري يبدأ بفكرةٍ مُلحّةٍ لرفضِ وجودِ الذاتِ الإلهيّة، وقد تستمرُّ هذهِ الوساوسُ حتّى لو حاولَ الإنسانُ تجاهلَها والتهرّبَ مِنها، الأمرُ الذي يتسبّبُ في القلقِ والتوتّرِ وعدمِ الرّاحة.

ويتمحورُ الوسواسُ القهريّ عادةً حولَ موضوعاتٍ مُحدّدةٍ مثلَ تصوّراتٍ ضدَّ الدين، أو صورٍ جنسيّةٍ مُنحرفة، أو أفكارٍ عدوانيّة، أو فقدِ الشعورِ بالقيمةِ الشخصيّة، أو غيرِ ذلك.

وتختلفُ أعراضُ هذا الوسواسِ مِن إنسانٍ لآخر، كما يختلفُ أيضاً في المقدارِ والحِدّة، فقد لا يسلمُ إنسانٌ مِن بعضِ الوساوسِ العابرة، إلّا أنّها عندَ البعضِ قد تتحوّلُ إلى اضطرابٍ دائمٍ يلازمُ الإنسانَ فتراتٍ طويلة.

وإذا كانَ السائلُ يُعاني مِن هذهِ المُشكلةِ فننصحُه بعرضِ نفسِه على طبيبٍ نفسيِّ مُختص.

يقولُ الدكتور جمال فرويز، استشاريّ الطبِّ النفسي: «في بدايةِ التشخيصِ يجبُ عملُ الفحوصاتِ اللازمةِ لاستبعادِ وجودِ الأمراضِ العقليّة، مثلَ الفُصامِ أو الاضطراباتِ الضلاليّةِ أو الوسواسِ القهريّ، وحتّى الاكتئابِ الذي يُشعرُه بالدونيّةِ والكراهية، التي تؤدّي بهِ في النهايةِ لكُرهِ الذاتِ الإلهيّة !

وأضافَ: أنّه يجبُ استبعادُ أيّ صورةٍ مرضيّةٍ منَ الناحيةِ النفسيّة، ثمَّ بعدَ ذلكَ يبدأ النقاشُ الفكري، وجلساتُ العلاجِ النفسيّ حتّى نتخلّصَ مِن هذهِ الأفكارِ تماماً».