هل يتكون الجنين من الماء الذي يخرج من الخصيتين أو من الصلب والترائب؟

يقولُ اللهُ عن خلقِ الإنسان (فلينظُر الإنسانُ ممّا خُلق *خُلقَ مِن ماءٍ دافِق* يخرجُ مِن بينِ الصّلبِ والترائب) السؤال: كيفَ يجوزُ لنا أن نُصدّقَ هذا الكلامَ ونحنُ نعيشُ عصراً تقدّمَ به العلمُ والتكنلوجيا كثيراً؟ هل شاهدَ أحدٌ هذا المكان َالذي يقعُ بينَ العمودِ الفقري والأضلاعِ ويخرجُ منهِ السائلُ المنوي.. المنيُ يخرجُ منَ الخصيتين وفي هذا دليلٌ على بشريّةِ القرآن!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

تطرّقَت مجموعةٌ منَ الكُتبِ المُختصّةِ بالإعجازِ العِلمي في القرآنِ لهذا الموضوع، وبيّنَت مدى التطابقِ بينَ القرآنِ وبينَ الاكتشافاتِ العلميّةِ المُتعلّقةِ بتكوّنِ الجنين.

مثل:

(الموسوعةِ الذهبيّةِ في إعجازِ القرآنِ الكريم والسنّةِ النبويّة) للدكتور أحمَد مُصطفى متولي.

وكتابِ (خلقِ الإنسانِ في القرآنِ الكريم) للدّكتور زغلول النجار.

وكتابِ (خلقِ الإنسانِ بينَ الطبِّ والقرآن) للدّكتور محمّد علي البار.

كما أنَّ هناكَ مقالاً منشوراً في الانترنت يتناولُ هذا الإشكالَ بالخصوصِ تحتَ عنوان: (يخرجُ مِن بينِ الصّلبِ والترائب مِن موضعِ شُبهةٍ إلى موضعِ إعجاز).

ومعَ ذلكَ نجدُ صاحبَ الإشكالِ لم يُكلّف نفسَه كثيراً في البحثِ عن الموضوعِ وسارعَ في ترتيبِ النتيجةِ التي كانَ يسعى إليها منَ البدايةِ وهيَ بشريّةُ القرآن.

والإجابةُ على هذا الإشكالِ تحتوي على تفاصيلَ علميّةٍ كثيرةٍ نشيرُ فقط إلى ما يكفي لردِّ الإشكال، ومَن أرادَ التوسّعَ في الأمرِ يمكنُه مراجعةُ البحوثِ المُفصّلة.

وقبلَ الإشارةِ للجانبِ العِلمي نقفُ على بعضِ الأمورِ التي تشكّلُ مُحدّداتٍ عامّةً لفهمِ الآية.

أوّلاً: الآيةُ لا تتحدّثُ عن ماءٍ مُشتركٍ يتمُّ إنتاجُه منَ الرّجلِ والمرأةِ مُجتمعينِ، وإنّما تتحدّثُ عن ماءٍ لشخصٍ واحدٍ سواءٌ كانَ رجلاً أو امرأة، وهذا الماءُ يخرجُ مِن بينِ الصّلبِ والترائب، وهذا ما أشارَ إليهِ بعضُ المُفسّرين.

ثانياً: خروجُ الماءِ مُتدفّقاً شيءٌ ومكانُ تكوّنِ ذلكَ الماءِ شيءٌ آخر، فالمقصودُ مِن قولِه تعالى: (يخرجُ منَ الصّلبِ والترائب) أنَّ الصّلبَ والترائبَ تُمثّلُ أصلاً ومكاناً لتكوّنِ الماء، وليسَ المقصودُ أنَّ هذا الماءَ يخرجُ مُتدفّقاً مِن تلكَ المنطقةِ مُباشرةً، فالتدفّقُ يأتي صفةً لاحقةً بعدَ مرحلةِ التكوّن.

وعليهِ: يكونُ المعنى أنَّ أصلَ الماءِ الذي يتخلّقُ منهُ الجنينُ يخرجُ منَ الصّلبِ (العمودِ الفقري)، والترائبِ (أسفلَ عظامِ الصّدر) ويشملُ ذلكَ الرّجلَ والمرأة.

وإذا رجَعنا للعلمِ نجدُ أنّه يتحدّثُ عن بدايةِ تكوّنِ الأصولِ الخلويّةِ للجنينِ (الخِصيتينِ عندَ الرّجل، والمبيضينِ عندَ المرأة) وإنّهما يتكوّنانِ في موضعِ ما بينَ مُنتصفِ العمودِ الفقري وأسفلِ ضلوعِ الصّدر (أسفلَ الكليتينِ تماماً) ثمَّ تبدأ في النزولِ تدريجيّاً حتّى تستقرَّ في كيسِ الصّفن بالنسبةِ للرّجال، وفي جانبي الرّحمِ بالنسبةِ للنّساء، وتستمرُّ تغذيةُ هذهِ الغُددِ بالدمِ والأعصابِ مِن موضعِ نشأتِها نفسِه (بينَ الصّلبِ والترائب).

وقد تناولَت الكتبُ المُختصّةُ تفاصيلَ علميّةً وصوراً تشريحيّةً تُبيّنُ كيفيّةَ تكوّنِ الغُددِ التناسليّةِ للرّجلِ والمرأة.

وعلى ذلكَ لا يكونُ المقصودُ منَ الماءِ الدافقِ ماءَ الرّجلِ فقط وإنّما يشملُ المرأةَ أيضاً، وهذا ما أثبتَه العلمُ الحديثُ أيضاً، فهناكَ الماءُ الذي يكونُ في المهبلِ وهوَ ماءٌ لزجٌ لا يتدفّقُ ولا يندفعُ وليسَ له علاقةٌ بتخلّقِ الجنين، وهناكَ ماءٌ آخرُ يخرجُ مرّةً واحدةً في الشهرِ مِن حُويصلةٍ (جراف) بعدَ انفجارِها عقبَ اكتمالِ نموّها، فيخرجُ هذا الماءُ مُتدفّقاً ومُندفعاً حاملاً البويضةَ إلى بوقِ الرّحمِ حيثُ هناكَ يتمُّ تلقيحُها بواسطةِ الحيوانِ المنوي.

وبذلكَ تصبحُ الآيةُ القُرآنيّةُ دليلَ إعجازٍ وليسَت موردَ إشكالٍ كما توهّمَ صاحبُ الإشكال.