من أين جئتم بتقليد الأعلم؟!

مِن أينَ أتيتُم بفكرةِ الأعلميّةِ في التقليد؟ ولماذا لا يتمُّ انتخابُ مرجعٍ أعلى على طريقةِ بابا الفاتيكان لتوحيدِ الشيعةِ وعدمِ ادّعاءِ المرجعيّةِ ممّن لا أهليّةَ له؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابةُ:

شرطُ الأعلميّة في مرجعِ التقليد منَ المسائلِ المشهورةِ في رسائلِ الفقهاء، والذي قادَ إلى هذا الشرطِ هوَ دليلُ العقلِ والعُقلاء؛ وذلكَ لأنَّ الواجبَ على المُكلّفِ غيرِ المُجتهد الرّجوعُ إلى فتوى المُجتهد لمعرفةِ تكليفِه الشرعي، وفي حالةِ حدوثِ اختلافٍ بينَ فتوى الفقهاءِ فإنَّ دليلَ العقلِ يوجبُ على المُكلّفِ الأخذَ بفتوى الأعلم.

وقد أشارَ السيّدُ السيستاني إلى ذلكَ في استفتاءاتِه بقولِه: "التقليدُ عمليّةٌ طبيعيّةٌ في حياةِ الإنسانِ وحقيقتُها الرّجوعُ إلى أهلِ الخبرةِ في كلِّ فنٍّ لمَن هوَ جاهلٌ به، وتمشّياً معَ ذلكَ فقد أذنَت الشريعةُ المُقدّسةُ لمَن يجهلُ الأحكامَ الشرعيّةَ أن يرجعَ فيها إلى الخبيرِ وهوَ المجتهدُ في أحكامِ الله، وبما أنّ السيرةَ جرَت أيضاً في الملاكاتِ الخطيرةِ جدّاً أن يراجعَ فيها الأكثرَ خبرةً منَ الجميعِ في صورةِ الاختلافِ فالشريعةُ أيضاً عيّنَت رأيَ المُجتهدِ الأعلمِ للعملِ وفقَه في صورةِ الاختلاف".

ويتّضحُ مِن ذلكَ أنَّ وجوبَ تقليدِ الأعلم لها علاقةٌ بالمسائلِ الخلافيّة، ولا علاقةَ لها بمسائلِ الوفاقِ والاتّفاق.

ومنَ المُفيدِ الإشارةُ إلى أنَّ تقليدَ الأعلمِ ليسَت مسألةً تقليديّة، بمعنى أنَّ المُكلّفَ غيرُ المُجتهدِ لا يقلّدُ الفقيهَ في هذه المسألةِ وإنّما يصلُ إليها بوصفِه عاقلاً، أو كما عبّرَ بعضُهم بأنّها منَ الأمورِ الفطريّةِ والبديهيّة.

وكذلكَ الحالُ في تحديدِ مَن هوَ الأعلمُ في الخارج، فإنَّ المُكلّفَ هوَ مَن يقومُ بتحديدِ ذلك، سواءٌ كانَ هوَ مِن أهلِ الخبرة، أو توصّلَ إلى ذلكَ عن طريقِ الشياعِ المورثِ للاطمئنان، أو عن طريقِ شهادةِ العدولِ مِن أهلِ الخبرةِ والاختصاص.

وفي سؤالٍ موجّهٍ لسماحةِ السيّدِ السيستانيّ في كيفيّةِ التعرّفِ على الأعلم يقول: "عن طريقِ أهلِ الخبرةِ والاستنباطِ المُحيطين ــ ولو إجمالاً ــ بمستويات من هم في شبهة الأعلمية، ويمكنُ التعرّفُ على هؤلاءِ بواسطةِ العلماءِ الثقاتِ المُنتشرينَ في البلاد وهُم على اتّصالٍ مستمّرٍ بحاضرتيّ النجفِ الأشرف وقُم المقدّسة"

أمّا لماذا لا يكونُ المرجعُ الأعلى مرجعاً مُنتخباً كما يتمُّ انتخابُ بابا الفاتيكان؟ فإنَّ السّببَ في ذلكَ يعودُ إلى أنَّ اختيارَ المرجعِ مسؤوليّةٌ تتعلّقُ بذمّةِ المُكلّف ولا يجوزُ لأيّ جهةٍ أن تفرضَ عليه اتّباعَ مرجعٍ دونَ الآخر، وإنّما المُكلَّفُ هوَ الذي يختارُ لنفسِه مِن بينِ المُجتهدينَ مرجعاً يستمدُّ منه الأحكامَ الشرعيّة، فاختيارُ المرجعِ أقربُ للانتخابِ الشعبيّ لا تتدخّلُ فيه الدعايةُ والترغيب، فالإنسانُ المُسلم ضمنَ الدائرةِ الشيعيّةِ إمّا أن يكونَ مُجتهداً قادِراً على استنباطِ الأحكامِ الشرعيّةِ أو مُقلّداً للفقيهِ الجامعِ لشرائطِ الاجتهاد، ويبقى بابُ الحوزةِ مفتوحاً أمامَ الجميع، لمَن يرى في نفسِه أهليّةَ التعلّمِ والاجتهاد.