‏هل نظرية الانفجار العظيم تتعارض مع وجود الله؟

#سؤال: مَن يعتقدُ أنَّ اللهَ أعطى شرارةَ الانفجارِ العظيم ثمَّ جلسَ ينتظرُ 9 مليار سنة ليُنتجَ الكونُ تريليوناتِ الكواكبِ ثمَّ اختارَ أحدَها ليزرعَ فيه خليّةً ثمَّ انتظرَ 4 مليار سنة لتطوّر الخليّة وتنتجَ بشراً.. يحتاجُ مصحّةً عقليّةً وطبيباً نفسيّاً

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

يفتقدُ هذا الكلامُ أبسطَ آدابِ الحوارِ والاختلاف، الأمرُ الذي يؤكّدُ أنَّ صاحبَه ليسَ مِن أهلِ الحوارِ العلميّ والنقاشِ المَنطقي، فالأساليبُ التي تتعمّدُ استفزازَ الطرفِ الآخر تُعبّرُ في الغالبِ عن نفسيّاتٍ مُضطربةٍ ومريضة، فمَن كانَ يرفضُ الإيمانَ بالله كخالقٍ لهذا الكونِ فبإمكانِه أن يطرحَ رؤيتَه دونَ الإساءةِ لمَن يخالفُه.

فالانفجارُ العظيمُ الذي أشارَ العلماءُ إلى حدوثِه قبلَ 13.8 مليار سنة، لا يؤدّي بالضرورةِ لإنكارِ وجودِ اللهِ تعالى، بل قد يدلُّ هذا الاكتشافُ على قُدرةِ اللهِ وعظمتِه.

فمُجرّدُ القولِ بأنَّ هناكَ كوناً كافٍ للقولِ بأنَّ هناكَ مكوّناً لهذا الكون، وكلّما وقفَ الإنسانُ على تعقيداتِ هذا الكونِ وامتدادِه عبرَ الزمان عرفَ بأنَّ لهذا الكونِ إلهاً خارجاً عن حدودِ الزمانِ والمكان.

وبالتالي الذي يحتاجُ إلى طبيبٍ نفسي هوَ مَن يعتقدُ أنَّ هذا الكونَ جاءَ مِن تلقاءِ نفسِه وظهرَ فجأةً منَ الفراغِ والعدم.

كما أنَّ إمكانيّةَ الحياةِ على كوكبِ الأرض ووجودَ الإنسانِ ككائنٍ عاقلٍ يدلُّ على أنَّ هناكَ حِكمةً ومشيئةً تقفُ خلفَ هذهِ الحياة، فقدرةُ الإنسانِ على العلمِ والمعرفة هوَ أهمُّ دليلٍ على أنَّ الكونَ وجودٌ حكيمٌ ومنطقيّ، ولا غرابةَ أن لا يفهمَ المُلحدُ حِكمةَ الكونِ ووجودَه المنطقيّ طالما انطلاقتُه مِن رؤيةٍ عدميّةٍ وعبثيّةٍ في نفسِ الوقت.

فالمؤكّدُ أنّه ليسَ هناكَ أيُّ تعارضٍ بينَ الإيمانِ بالله وبينَ الاكتشافاتِ العلميّة؛ بل العكسُ هوَ الصّحيح؛ فهذهِ الاكتشافاتُ هي التي تُعزّزُ إيمانَ الإنسانِ وارتباطَه باللهِ تعالى.

فالفكرةُ التي ذكرَها المُتحدّثُ لا تتّفقُ مع المنطقِ وطرقِ التفكيرِ المُتعارفِ عليها عندَ العُقلاء، فالنظريّاتُ العلميّةُ في حالِ ثبوتِها ليسَت إلّا تفسيراً لِما هوَ موجودٌ في هذا الكونِ ولا يمكنُ تسويقُها كبديلٍ عن الخالقِ الذي أوجدَ الكون، فالعلمُ يتطوّرُ باستمرارٍ ويتجدّد، والحقائقُ العلميّةُ تتغيّرُ وتتطوّرُ مع تقدّمِ البحثِ العلميّ والتكنولوجيا، والإنسانُ لا يطلبُ العلمَ بشكلٍ دائمٍ ومستمرٍّ إلّا لإيمانِه بضرورةِ وجودِ تفسيرٍ أكثرَ منطقيّةً مِن غيرِه، فإيمانُ الإنسانِ بالسببيّةِ والعِليّةِ هيَ مفتاحُه لتطوّرِه العلميّ والمعرفي، فكيفَ بعدَ ذلكَ يصدّقُ الإنسانُ بوجودِ الكونِ كلّه من دونِ أيّ علّةٍ أوجدَته؟

فمثلاً القولُ بأنَّ الإنسانَ وُجدَ مِن خليّةٍ واحدةٍ والتي أرسلَها المُتحدّثُ إرسالَ المُسلّماتِ معَ أنّها لم تزَل مُجرّدَ فرضيّةٍ علميّةٍ منَ الصّعبِ البرهنةُ عليها بشكلٍ قطعي، وعليهِ تظلُّ نظريّةً في حاجةٍ إلى المزيدِ منَ الدراسةِ والبحث.

ومنَ المُفيدِ أن نشيرَ إلى بعضِ نقاطِ قصورِ هذه النظريّة:

أوّلاً، يعاني مؤيّدو هذهِ النظريّةِ مِن نقصٍ في الأدلّةِ المُتاحةِ لدعمِها، حيثُ تحتاجُ النظريّةُ إلى دراساتٍ وبحوثٍ أكثر لدعمِها بأدلّةٍ كافية. كما أنَّ العواملَ الثقافيّةَ تؤثّرُ على تفسيرِ النظريّة، حيثُ يمكنُ أن يتمَّ تفسيرُها بشكلٍ مُختلفٍ في مُجتمعاتٍ مُختلفة، ممّا يجعلُ قبولَها ورفضَها متأثّراً بالعواملِ الثقافيّة.

ثانياً، تواجهُ هذه النظريّةُ صعوبةً في التأكّدِ مِن دقّتِها، حيثُ يصعبُ الوصولُ إلى الأدلّةِ الدقيقةِ والواضحةِ لدعمِها. بالإضافةِ إلى ذلك، يعتبرُ الانتقالُ منَ الخليّةِ الواحدةِ إلى الإنسانِ مُعقّداً ومفاجِئاً، ولم يتمَّ توفيرُ شرحٍ كافٍ لهذا الانتقال.

ثالثاً، توجدُ تفسيراتٌ متناقضةٌ للنتائجِ الجينيّةِ والجزيئيّةِ لعمليّةِ التطوّر، ممّا يجعلُ منَ الصّعبِ الوصولُ إلى اتّفاقٍ مُتّفقٍ عليه حولَ نظريّةِ تطوّرِ الإنسانِ مِن خليّةٍ واحدة.

رابعاً، يوجدُ العديدُ من العوامل المتعددة التي تشارك في عملية التطور، ممّا يجعلُ من الصّعب تحديدُ العامل الرئيسي الذي يحكم هذه العملية. ولذلك، فإنّ تطوّر الإنسان من خليّةٍ واحدة يعدّ موضوعاً معقداً يصعبُ الاستدلالُ عليه.

وما أرَدنا تأكيدَه في هذهِ الإجابةِ هوَ التأكيدُ على عدمِ التعارضِ بينَ الإيمانِ باللهِ وبينَ العلم، وإنَّ الإلحادَ ليسَ إلّا تفكيراً مُتطرّفاً يقودُ الإنسانَ والحياةَ منَ المجهولِ إلى المجهول.