لماذا لا تكون المعجزات علوم طبيعية؟

لماذا لم تكُن معجزاتُ الرّسولِ والأئمّةِ ع هيَ علومٌ يُستفادُ مِنها في علاجِ الأمراضِ والآفاتِ (مثلاً إيجادِ علاجٍ للحُمّى أو الطّاعون) أو في تحدّي ظواهرِ الطبيعةِ أو تقديمِ مُخترعاتٍ تستفيدُ مِنها البشريّةُ خاصّةً؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

للإجابةِ على هذا السّؤالِ لابدَّ مِن بيانِ معنى المُعجزةِ وفلسفتِها، وقد ذكَرنا في إجابةٍ سابقةٍ أنَّ المُعجزةَ كمُصطلحٍ لم يتمَّ ذكرُه في القرآنِ وإنّما وُضعَ مِن قِبلِ المُتكلّمينَ للدّلالةِ على الأفعالِ التي لا يمكنُ الإتيانُ بمثلِها، وقد تحدّى الأنبياءُ المُنكرينَ لدعواهم بالمعاجزِ لإثباتِ اتّصالِهم باللهِ تعالى، ولو سلّمَ البشرُ لمنطقِ العقلِ والبُرهان وابتعدوا عن الأهواءِ والشهواتِ لَما كانَت هناكَ حاجةٌ للمُعجزاتِ منَ الأساس، قالَ تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، وقالَ تعالى: (وَمَا لَنَا لَا نُؤمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القَومِ الصَّالِحِينَ)، فتصديقُ الأنبياءِ لا يتوقّفُ على جريانِ المعاجزِ على أيديهم، وإنّما مَضمونُ الرّسالةِ التي يحملونَها هيَ الشاهدُ على صدقِ نبوّتِهم، وعليهِ فإنَّ المعاجزَ بمثابةِ الصدماتِ التي تهزُّ النفوسَ المُستكبرةَ والقلوبَ الجاحدةَ، ولذا نجدُ أنَّ اللهَ خصَّ بها المُستكبرينَ الذينَ رفضوا الاستماعَ إلى منطقِ الحقِّ، فالمعاجزُ تأتي كآخرِ الأدلّةِ إكمالاً للحُجّةِ وحرصاً على الهداية، ومعَ ذلكَ فقد لا تنفعُ تلكَ المعاجزُ النفوسَ الرّافضةَ للحقِّ والغارقةَ في الأهواءِ والشهوات، فمعَ أنَّ معاجزَ الأنبياءِ كانَت دليلاً صارخاً على صدقِهم إلّا أنّها لم تغيّر كثيراً في مواقفِ المُكذّبين، فمَن كانَ هواهُ معَ تكذيبِ الرّسلِ لا يفيدُه منطقُ الحقِّ ولا منطقُ الإعجاز.

وإذا اتّضحَ ذلكَ حينَها نفهمُ أنَّ علاجَ الطاعونِ والحُمّى والاكتشافاتِ العلميّةَ لا تصلحُ في مقامِ الإعجازِ والسّببُ في ذلكَ؛ أوّلاً: أنَّ المُعجزةَ تأتي في مقامِ الإنكارِ والتحدّي. ثانياً: المعجزةُ يستحيلُ الإتيانُ بمثلِها، بينَما علاجُ الأمراضِ والاكتشافاتِ العلميّةِ لا يستحيلُ الإتيانُ بمثلِها، والدّليلُ على ذلكَ أنَّ البشريّةَ توصّلَت لكلِّ ذلكَ مِن خلالِ قُدراتِها الطبيعيّة. ثالثاً: المعجزةُ لا يمكنُ تعليمُها لتكونَ أمراً مشاعاً للجميع، فإذا كانَت العلومُ عبارةً عن قوانينَ وقواعدَ كُلّيّةً فإنَّ المُعجزةَ هيَ خرقٌ وتجاوزٌ لتلكَ القوانينِ والقواعد، ولذا لا يمكنُ افتراضُ معاجزَ يمكنُ تعليمُها وتوريثُها للبشريّةِ وإلّا لَما أصبحَت مُعجزةً، فمثلاً معاجزُ نبيّ اللهِ عيسى (عليهِ السلام) مِن إبراءِ الأكمهِ والأبرصِ وإحياءِ الموتى كانَت بطرقٍ غيرِ طبيعيّةٍ يستحيلُ على البشريّةِ الإتيانُ بمثلِها. رابعاً: أنَّ مُهمّةَ الأنبياءِ والرّسلِ هيَ توجيهُ النّاسِ إلى اللهِ وهدايتِهم اعتقاديّاً وأخلاقيّاً واجتماعيّاً، ولم يأتِ الأنبياءُ لكي يكونوا بديلاً عن الإنسانِ في مواجهةِ التحدّياتِ الطبيعيّةِ التي يجبُ أن يخوضَها بنفسِه، وبمعنىً آخر إنَّ الإنسانَ في أمسِّ الحاجةِ إلى الأنبياءِ فيما يتعلّقُ بجانبِه الرّوحيّ والمعنويّ، أمّا في جانبِه المادّيّ والطبيعيّ فهوَ قادرٌ على إنجازِ كلِّ ما يحتاجُه بنفسِه، فوظيفةُ الأنبياءِ والأئمّةِ هيَ هدايةُ النّاسِ منَ الضّلالِ وبيانُ الحقِّ منَ الباطل، ولم يكُن هدفُهم تعليمَ النّاسِ المعارفَ العلميّةَ والتكنولوجيّة، فالإنسانُ ليسَ بحاجةٍ إلى مَن يُعلّمُه ذلكَ وإنّما هوَ بحاجةٍ إلى مَن يهديهِ في مسيرِه الاعتقاديّ والأخلاقيّ إلى الصّراطِ المُستقيم.