هل هناك خلاف بين السنة والشيعة في جواز التوسل؟
سؤال: يقولُ الله تعالى في كتابه الكريم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة}، ويقولُ تعالى في آية أخرى: {ألا للهِ الدينُ الخالصُ والذين اتخذوا من دونه أولياءَ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إنّ الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلِفون} يحتجّ الشيعةُ على أهل السنّةِ بآيةِ الوسيلة وهي الآية الأولى ويحتجّ أهلُ السنّةِ على الشيعة بالآية الثانية.. فكيف لنا الحكمُ في ما بينهما عقائدياً؟ وفقكم الله لما يرضاه.
الإجابة:
قولهُ تعالى: {يا أيّها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ وابتغوا إليه الوسيلة} ليست الآيةُ موردَ خلافٍ بين الشيعةِ وأهل السنة فهي نصٌّ واضحٌ وصريحٌ على ضرورة ابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى، إلا أنّ الخلافَ قد يكون في نوع الوسيلة التي يتوسّلُ بها إلى الله تعالى، فالوهابية من أهل السنّةِ يخالفونَ بقية المسلمين سنةً وشيعةً في جواز التوسّلِ بالأنبياء والصالحين.
والأدلةُ على جواز التوسل كثيرةٌ من القرآن والسنّة، ومن الصعبِ تتبّعُ ذلك في هذا المقام ولذا ننصحُ من يريدُ الوقوف على هذه الأدلة تفصيلاً بالرجوع إلى كتابِ التوسّلِ للشيخ جعفر سبحاني.
أمّا الآية الأخرى وهي قولهُ تعالى: (أَلا للّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في ما هُمْ فيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ).
فالآيةُ المباركةُ ليس فيها دلالة على أنّ مطلق التوسّل شركٌ أو حرام، وإنما تتحدّثُ عن الذين يتخذونَ من دون الله أولياء يتوجهونَ لهم بالعبادة، وهذا ما يؤكّده قولهم: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) فالآية نصٌّ صريحٌ على أنّ هؤلاء كانوا يعبدونَ الأولياء من دون الله.
والعبادةُ هنا ليست من باب أنهم طلبوا التقرّبَ إلى الله عبر الأولياء، وإنما من باب اعتقادهم بأنّ الأولياءَ آلهة أو انهم يملكون شأناً من شؤون الحياة على نحو الاستقلال، وعليه: يكون قولهم: (إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى) هو مجرّدَ قول بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ولذا كذبهم اللهُ في ذلك في آخر الآية بقوله: (إِنَّ اللّهَ لا يَهْدي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّار) مشيراً إلى أنّهم كاذبون في ذلك المدّعى وإنّما يعبدونهم لغاياتٍ دنيوية، وهو اكتسابُ العزةِ والنصرةِ والخصبِ والنعمةِ والشفاءِ والشفاعة.
والدليلُ على أنّ الوهابية وحدهم من يخالفون عموم المسلمين في ذلك ننقل بعض ما قاله أهلُ السنة، ونكتفي ببعض المقاطع التي جاءت ضمن بحثٍ مفصّلٍ منشور على النت بعنوان (تهذيبُ النور في جواز التوسّل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين وأهل القبور)
جاء فيه: ".. الفرقُ بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضحٌ بيِّن لكلّ ذي لبٍّ قويم، فالمشركون كانوا يتخذونَ من يدعونه إلهاً من دون الله فيدعونهم استقلالاً من دون الله، وسيتضحُ ذلك من أوجه عديدة:
الوجه الأول: فالمشركونَ جعلوا أصنامهم آلهةً تعبد والمسلمون ما اعتقدوا في إلهٍ غير الله فليس لنا غير إلهٍ واحدٍ وهو الله جلّ جلاله ويظهر جلياً الفرق بين المسلمين وبين عبّاد الأصنام وغيرهم في قول الله تعالى في الكفار (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)
الوجه الثاني: الأنبياء جميعاً عليهم الصلاة والسلام عند المسلمين هم أنبياءُ معصومونَ بشرٌ لهم خواص خاصةٌ منَّ الله بها عليهم وأعطاهم ما لم يعطهِ لبشر وليسوا آلهة تعبد من دون الله
الوجه الثالث: الأولياءُ هم أولياء محفوظون وصلوا إلى رتبة الولاية بالعمل الصالح وعبادةِ ربّ العباد وليسوا آلهة تعبد.
الوجهُ الرابع: ورد في الآيات أنّ الكفار وجدوا ضالتهم في عبادة هذه الأصنام فاستحقت العبادة بالنسبة لهم وعبدوها بالفعل كما في قولهِ تعالى: (وما نعبدهم إلا ليقربونا)
أمّا المسلمون فلا إلهَ لهم غير الله تعالى ولا يستحقُّ العبادةَ غيره سبحانهُ وتعالى الرحمن الرحيم وما عبدوا غيرهُ جلّ جلاله.
الوجهُ الخامس: أنّ المشركين عبدوا أصنامهم وأنبياءهم وصالحيهم وزعموا أنّ ذلك ليقربوهم إلى الله، والمسلمين عبدوا اللهَ وحده ولم يعبدوا غيرهُ وتوسلوا بالأنبياء والصالحين رجاءَ تحقيق مطالبهم من الواحد القهار.
فدعاءُ المشركين دعاء اُلوهية وتعبد، ودعاءُ المسلمين توسّلٌ واستشفاع، فشتّانَ ما بين الاثنين فكيف يعمّمُ أهل الجهل القول على المسلمين؟
الوجهُ السادس: الكفارُ اتخذوا أصنامهم وأنبياءهم وصالحيهم آلهة من دون الله، والإلهُ هو المستحقُّ للعبادة، فكانت عبادتهم لهم على اعتبار الألوهية وليس على اعتبار التوسّل والاستشفاع والتبرّك، فكانوا يسجدون لها تعظيماً وإجلالاً وخضوعاً لها واعتقدوا أنها تنفع وتضرّ استقلالاً.
وما قالوا نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله إلا بعد إقامةِ الحجّة عليهم وهذا من تلبيس الشيطان عليهم ومن جحدهم بآياتِ الله، والمسلمون اتخذوا الله إلهاً واحداً لا شريك له وعرفوا قدرَ الأنبياء والصالحين وأنّ النفع والضرّ بيد الله تعالى وأنّ القدرةَ المطلقةَ من صفات الألوهية ويعطي الله ما يشاء لمن يشاء ولا حدّ لقدرتهِ المطلقة.
وقوله تعالى في الآية الكريمة (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فإنما كانت لإظهار أنّ علةَ عبّاد الأوثان والأصنام التي عللوا بها عبادةَ الأصنام إنما هي علةٌ فاسدة وجاءت الآية من باب التنبيهِ على ضلالتهم وهذا ما ذكر في أكثر من آيةٍ في الكتاب الحكيم من اعتقادهم أنّ أصنامهم تضرُّ وتنفع استقلالاً وأنهم خضعوا لها وعبدوها من دون الله تعالى.
فلمّا أقيمت عليهم الحجةُ بأنها لا تنفعُ ولا تضرّ قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. وهذا من جحدهم بآياتِ الله تعالى. ومن كذبهم الذي أظهرهُ الله في أكثر من موضع في الكتاب الحكيم. وهذا ما لا ينطبقُ على أهل الإسلام..
وهذا واضحٌ وصريحٌ في جميع الآيات من أنّ الكفار قد عبدوا أصنامهم وأنبياءهم وجعلوهم آلهةً تنفعُ وتضرُّ وترزقُ، فأضافوا إليهم صفاتِ الألوهية ونسبوا إليهم القدرةَ استقلالاً.
فالآيةُ جاءت لإظهار العلّةِ وبيان جحدهم وبيان كذبِ دعواهم والاستدلال بالآية في غير محلهِ وذلك لأنّ هذه الآيةَ الكريمة صريحةٌ في الإنكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهةً من دونه تعالى وإشراكهم إيّاها في دعوى الربوبية على أنّ عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى فكفرهم وإشراكهم من حيث عبادتهم لها ومن حيث اعتقادهم أنها أربابٌ من دون الله.
وهذه الآية تشهد بأنّ أولئك المشركينَ ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قولهم مسوّغين عبادة الأصنام: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فإنهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجلّ عندهم من تلك الأصنام، فلم يعبدوا غيره وقد نهى الله المسلمين من سبّ أصنامهم بقوله تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
روى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه أنه قال: ((كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسبّ الكفار الله عزّ وجل، فأنزل الله: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)، هذا سببُ نزول هذه الآية.
فهي إذن تنهى المؤمنين نهيَ تحريم شديدٍ أن يقولوا كلمة نقص في الحجارة التي كان يعبدها الوثنيون بمكة المشرفة لأنّ قول تلك الكلمة يتسبّبُ عنه غضب أولئك الوثنيين غيرةً على تلك الأحجار التي كانوا يعتقدون من صميم قلوبهم أنها آلهة تنفعُ وتضرّ وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل فيسبون ربهم الذي يعبدونهُ وهو ربّ العالمين ويرمونهُ بالنقائص وهو المنزّهُ عن كلّ نقص ولو كانوا صادقين بأنّ عبادتهم لأصنامهم تقربهم إلى الله زلفى ما اجترؤا أن يسبّوهُ انتقاماً ممّن يسبّون آلهتهم فإنّ ذلك واضحٌ جداً في أنّ الله تعالى في نفوسهم أقلّ من تلك الحجارة.
فكلامهم صريحٌ بنسبةِ الضرر والنفع إلى أصنامهم استقلالاً والتي عبدوها من دون الله فكيف تنطبق هذه الآياتُ على المسلمين وهم يعبدونَ الله الواحد الأحد؟؟
فإنّ جميع هذه الآيات تدلُّ وبصراحةٍ على أنّ شركَ المشركين كان في دعاء الآلهة التي عبدوها من دون الله، وهل هناك حاجةٌ لأدلة أصرح من هذه الآيات؟!
وهذا ما لا يقولُ به مسلمٌ فلا يوجد من يشهدُ لسانه وقلبه أن لا الهَ الا الله محمّد رسول الله ويعبد غير الله فهو جلّ جلاله المستحق للعبادة.
فالمشركون كانوا يعبدون الأوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكلّ ذي لبٍّ قويم، فوسيلة الشيء غيره...
اترك تعليق