هل يجوز اختراع زيارة؟

سؤال: هل يجوز إنشاء أو اختراع زيارة؟ وإنْ كانت هناك زيارات مخترعة فهل يجوز قراءتها؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1ـ لا إشكال في جواز إنشاء الزائر لنصّ الزيارة، كما لا إشكال في تلاوتها، بالسلام على المزور، وذكر فضائله وكمالاته، ونحو ذلك، بشرط مراعاة مقام المزور وشرف محلّه، وملاحظة آداب الخطاب والزيارة، وعدم نسبتها للمعصومين (عليهم السلام)، فلو دخل الزائر لمرقد أحد الأئمة (عليهم السلام) وسلّم سلاماً من إنشاء نفسه، فإنّه يصدق عليه الزيارة ويستحقّ الأجر والثواب إن شاء الله.

روى ابن قولويه في [كامل الزيارات ص410] بالإسناد عن الحسن بن عطية، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « تقول عند قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) ما أحببتَ ».

قال الشهيد الأوّل في [الدروس الشرعية ج2 ص23] - عند ذكر آداب الزيارة -: (وخامسها: الزيارة بالمأثور، ويكفي السلام والحضور).

وقال الفقيه السيّد عبدالله الجزائريّ في [تحفة السنية (مخطوط) ص197]: (ويكفي في صدق الزيارة القريبة وترتّب ثوابها: الحضور والتسليم وإنْ كان بغير المأثور).

2ـ قام بعض الأعلام (رضي الله عنهم) بإنشاء بعض الزيارات لدواعٍ مختلفة؛ كأن لا يكون للمزور زيارة خاصّة، أو أنّه لم يعثر له على زيارة خاصّة، أو أنّه أراد بذلك التقرّب لله في مدح حجج الله تعالى وأوليائه، أو غير ذلك من الدواعي الصحيحة المعتبرة.

ومن أشهر الزيارات غير المأثورة: هي الزيارة التي أنشأها شيخ الطائفة في زمانه الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقد اعتذر في ذلك بأنّه لم يجد - فيما وصله من أخبار - على زيارة مأثورة لها (صلوات الله عليها)، وهذا نصّ كلامه في [الفقيه ج2 ص574]: (لم أجد في الأخبار شيئاً موظّفاً محدوداً لزيارة الصدّيقة (عليها السلام)، فرضيتُ لـمَن نظر في كتابي هذا من زيارتها ما رضيتُ لنفسي) اهـ. وقد ذكر التقيّ المجلسيّ في [روضة المتقين ج5 ص347] أنّ كلام الصدوق المتقدّم هو لبيان العذر لتأليف الزيارة؛ لأنّ المأثورة أفضل، وإنْ كان ما ذكره وألّفه أيضاً في غاية الجودة، انتهى.

وإنّ كثيراً من أولاد الأئمة (عليهم السلام)، ومتعلّقيهم، لم يرد لهم في تراثنا الواصل لنا زيارات مأثورة مخصوصة، كالسيد محمد سبع الدجيل، والقاسم بن الإمام الكاظم، والسيد عبدالعظيم الحسني، والسيدة زينب بنت أمير المؤمنين، والسيدة سكينة، والسيدة رقية بنتي سيد الشهداء، وغيرهم، وقد ذكرنا في بعض الأجوبة: أنّ العلماء ذكروا عدّة كيفيّات لزيارتهم، وأحدها: تخصيصهم بالخطاب بما جرى على اللسان من ذكر فضلهم والتوسل والاستشفاع بهم وبآبائهم الطاهرين (عليهم السلام).

3ـ وينبغي الحذر من الزيادة والتلاعب بالزيارات المأثورة، بأن يزيد في زيارة عاشوراء أو زيارة وارث - مثلاً - فقرات أو يستبدل فقرات بفقرات أخرى يراها مناسبة بخياله ووهمه، فإنّ بعض الأعلام شدّدوا النكير على مَن يزيد في الزيارات المأثورة من عنده، كالميرزا النوريّ في اللؤلؤ والمرجان، والشيخ عباس القميّ في موضعين من مفاتيح الجنان، قال الشيخ القميّ - عند ذكر آداب الزيارة -: (السادس عشر: أن يزور بالزيارات المأثورة المرويّة عن سادات الأنام (عليهم السلام)، ويترك الزيارات المخترعة التي لفّقها بعضُ الأغبياء من عوامّ الناس إلى بعض الزيارات، فأشغل بها الجهّال)، وفصّل الكلام في ذلك ذيل زيارة وارث، واستشهد بحديثين، أحدهما ما رُوي عن عبد الله بن سنان، قال: « قال الصادق (عليه السلام): سيصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق، قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، فقال: إن الله (عز وجل) مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك »، وهذا نهي واضح عن الزيادة في الأدعية وإنْ كان المعنى صحيحاً، فإنّ الله تعالى مقلّب القلوب والأبصار، ولكن في هذا الدعاء - أي دعاء الغريق - لا بدّ أن يكون بهذا السبك الخاصّ دون زيادة (والأبصار) ولا غيرها من الأسماء الإلهيّة، والسرّ في ذلك: أنّ لكلّ كلمة في الدعاء مدخليّة في تحقّق الأثر المرجوّ منها، فلا بدّ من الالتزام بالمنصوص وعدم الخروج عنه.

وليس من هذا النحو المذموم تلاوةُ مثل زيارة السيدة المعصومة (عليها السلام) عند زيارة السيدة زينب أو السيدة سكينة أو السيدة رقية أو السيدة حكيمة أو غيرهم، فقد نصّ بعض الأكابر - كالآقا جمال الدين والشيخ عباس القميّ - على أنّ الأنسب في زيارة أولاد الأئمة أن يُزاروا بزيارة السيدة المعصومة، مع استبدال العبارات المختصّة بعبارات أخرى مناسبة، كما ذكرنا في بعض الأجوبة الأخرى.

4ـ ولا يخفى أنّ الالتزام بالزيارات المأثورة أولى وأحرى من غيرها، فإنّ الإمام المعصوم هو العارف بصفات المزور ومقاماته، وكيفية السلام والخطاب، وقد زجر الإمام الصادق (عليه السلام) مَن قال له: إنّي اخترعت دعاءً، بقوله: « دعني من اختراعك.. » [الكافي ج3 ص476]، ومن الواضح أنّ وزان الدعاء وزان الزيارة؛ إذ إنّه خطاب مع الله تعالى والزيارة خطاب مع وليّه وحجّته.

وقد جرت سيرة الأصحاب منذ القدم على تحرّي الزيارة المأثورة عن الإمام المعصوم، فنجد في كثير من الروايات يسأل الأصحاب من الأئمّة كيف يزورون وكيف يسلمون على المعصوم، وهذه بعض الشواهد:

منها: ما رواه ابن قولويه في [كامل الزيارات ص55] بالإسناد عن ابن أبي نصر، قال: « قلت لأبي الحسن (عليه السلام): كيف السلام على رسول الله عند قبره؟ فقال: السلام عليك يا رسول الله.. إلى آخره ».

ومنها: ما رواه في [كامل الزيارات ص57] بالإسناد عن إسحاق بن عمار قال: « قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): علّمني تسليماً خفيفاً على النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال: قل: أسأل الله الذي انتجبك... إلى آخره ».

ومنها: ما رواه في [كامل الزيارات ص363] بالإسناد عن الحسين بن ثوير، قال: « قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، إنّي كثيراً ما أذكر الحسين (عليه السلام) فأيّ شيء أقول؟ قال: قل: السلام عليك يا أبا عبد الله، تعيد ذلك ثلاثاً... قلت: جعلت فداك، إنّي أريد أن أزوره، فكيف أقول؟ وكيف أصنع؟ قال: إذا أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فاغتسل على شاطئ الفرات... إلى آخره ».

ومنها: ما رواه في [كامل الزيارات ص397] بالإسناد عن معاوية بن عمار، قال: « قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما أقول إذا أتيتُ قبر الحسين (عليه السلام)؟ قال: قل: السلام عليك يا أبا عبد الله... إلى آخره ».

ومنها: ما رواه في [كامل الزيارات ص421] بالإسناد عن الحسين بن عطية، قال: « قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، فما أقول إذا أتيته؟ قال: تقول: السلام عليك يا أبا عبد الله... إلى آخره ».

ومنها: ما رواه في [كامل الزيارات ص423] بالإسناد عن أبي الصباح أو أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)، قال: « قلت: كيف السلام على الحسين بن علي (عليه السلام)؟ قال: تقول... إلى آخره ».

بل كان الأئمّة (عليهم السلام) يختبرون أصحابهم، ويبادرونهم السؤال عن كيفية زيارتهم للمعصوم، كما في رواية ابن قولويه في [كامل الزيارات ص414] بالإسناد عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: « قال لي أبو الحسن (عليه السلام): كيف السلام على أبي عبد الله (عليه السلام)؟ قال: قلت: أقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك... قال: نعم، هو هكذا ».

بل ربّما أرادوا (عليهم السلام) باختبارهم تعليمهم زيارة شريفة أفضل ممّا يعرفونه، كما في رواية ابن قولويه في [كامل الزيارات ص45] بالإسناد عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: « قال لي أبو الحسن (عليه السلام): كيف تقول في التسليم على النبيّ (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: الذي نعرفه ورويناه، قال: أَوَ لا أعلّمك ما هو أفضل من هذا؟ قلت: نعم جعلت فداك، فكتب لي وأنا قاعد بخطّه، وقرأه عليّ: إذا وقفتَ على قبره (صلى الله عليه وآله) فقل: أشهد أن لا إله إلّا الله... إلى آخره »، وهذا النصّ يفيد أولوية تحرّي أفضل الزيارات المأثورة وأصحّها وأشرفها وإنْ كانت سائر الزيارات المأثورة فاضلة وصحيحة وشريفة، فقد قال ابن أبي البلاد في جوابه لسؤال الإمام: (الذي نعرفه ورويناه) يعني أنّه يزور بما هو معروف لدى الشيعة من الزيارات المأثورة، فقال له الإمام: « أو لا أعلّمك ما هو أفضل من هذا؟ ».