هل ادعى موسى (عليه السلام) أنه أعلم أهل الأرض؟

سؤال: روي أنّ موسى (ع) خطب في بني إسرائيل، وبعد أن أكمل سأله رجل فقال: هل هنالك مَن هو أعلم منك في الأرض يا موسى؟ فقال: لا، فأوحى الله إليه أن هنالك عبد صالح في مجمع البحرين أعلم منه. السؤال هو: جواب موسى (ع) كان فيه استكبار واستعلاء، فهل خرج موسى(ع) عن العصمة في جوابه هذا أم ترتّب عليه شيء؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الرواية التي يشير إليها السائل هي رواية البخاريّ، فقد روى عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ: « أنَّه تَمارَى هو والحُرُّ بنُ قَيْسِ بنِ حِصْنٍ الفَزارِيُّ في صاحِبِ مُوسَى، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: هو خَضِرٌ، فَمَرَّ بهِما أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، فَدَعاهُ ابنُ عبَّاسٍ فقالَ: إنِّي تَمارَيْتُ أنا وصاحِبِي هذا في صاحِبِ مُوسَى، الذي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إلى لُقِيِّهِ، هلْ سَمِعْتَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: بيْنَما مُوسَى في مَلَإٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ جاءَهُ رَجُلٌ فقالَ: هلْ تَعْلَمُ أحَدًا أعْلَمَ مِنْكَ؟ قالَ مُوسَى: لا، فأوْحَى اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ له الحُوتَ آيَةً، وقِيلَ له: إذا فقَدْتَ الحُوتَ فارْجِعْ، فإنَّكَ سَتَلْقاهُ، وكانَ يَتَّبِعُ أثَرَ الحُوتِ في البَحْرِ، فقالَ لِمُوسَى فَتاهُ: {أَرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلى الصَّخْرَةِ فإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وما أنْسانِيهِ إلَّا الشَّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ}، قالَ: {ذلكَ ما كُنَّا نَبْغِي فارْتَدّا علَى آثارِهِما قَصَصًا}، فَوَجَدا خَضِرًا، فَكانَ مِن شَأْنِهِما الذي قَصَّ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في كِتابِهِ ».

وقد نقل الشيخ الطبرسي هذه الرواية في تفسيره مجمع البيان، إلّا أنّنا لم نعثر - بحسب تتبعنا - على هذه الرواية أو رواية مشابهة لها بإسناد شيعيّ.

ولكن، على فرض وجودها، فإنّها لا تخالف عصمته (سلام الله عليه)، فبحسب الرواية السابقة: إنّ موسى أجاب على السؤال بحسب علمه، فالسؤال كان موجّهاً إلى شخص موسى (عليه السلام) حيث قال له: « هلْ تَعْلَمُ أحَدًا أعْلَمَ مِنْكَ؟ فقال: لا ». أي: أنّه بحسب علمه لا يعلم بوجود مَن هو أعلم منه. وكما هو واضح، فإنّ الاجابة لا تنفي إمكانيّة وجود مَن هو أعلم، وإنّما تنفي علمه هو بوجوده، فموسى بالفعل لم يكن يعلم بوجود العبد الصالح (الخضر). وعليه، لم يكن موسى (عليه السلام) في مقام التكبّر والاستعلاء فيدّعي أنّه أعلم أهل الأرض، وإنّما في مقام نفي خبرته الشخصيّة بوجود شخص بعينه له علم أكثر منه.

ولو أجاب موسى: بـ(نعم)، لكان من حقّ السائل أن يسأله: (مَن هو؟ وأين مكانه؟ ولماذا لا تتبعه طالما تعترف بأنّه أعلم منك؟)، وبخاصّة أنّ قصد السائل هو علم موسى الشخصيّ بوجوده، ولم يكن قصده إمكانيّة وجوده على نحو الفرض أو التقدير الإلهيّ، فموسى (عليه السلام) كان يعلم بكونه نبيّ الله ورسوله، ويعلم أنّه الشخص الوحيد الذي يوحى إليه في ذلك الزمان، فمن هذا الباب كان من الطبيعيّ أن تكون إجابته بهذا الشكل.

ومن ذلك يتّضح: أنّ إجابة موسى (عليه السلام) لم تكن فيها تكبّر أو استعلاء طالما لم يكن قصد موسى نفي إمكانيّة وجود مَن هو أعلم منه، فلم يقل إنّه أعلم مَن في الأرض على نحو الواقع والتحقّق، وإنّما نفى خبرته الشخصيّة بوجوده، ولذا لم يعاتبه الله على ذلك، وإنّما تكفل بإخباره بوجوده فقط، فقال له بحسب الحديث السابق: « فأوْحَى اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنا خَضِرٌ ».

والدليل على تواضع موسى هو طلبه التعلّم منه، وسعيه الحثيث للوصول إليه، حتّى لو طوى - لأجل ذلك - المسافات الشاسعة، وحتى لو كلّف ذلك أحقاباً مديدة، قال تعالى: {لا أَبرَحُ حَتّى أَبلُغَ مَجمَعَ البَحرَينِ أَو أَمضِيَ حُقُبًا}.