لماذا أطال الله عمر الامام المهدي، ولم يطل عمر رسول الله؟

سؤال: الشيعة يقولون: إنّ الله قد أمدَّ في عمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه) مئات السنين؛ لحاجة الخلق والكون كلّه إليه، فلو كان الله يمدّ في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمدَّ في أجلِ رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

ملخص الاجابة:

أنّ الله بعث الانبياء جميعاً من أجل نشر التوحيد وإقامة العدل في الارض، وقد قام كلّ نبيّ بدوره ووظيفته التي أوكلت إليه، إلى أن ختم الله رسالاته برسالة الإسلام على يد النبيّ الخاتم محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولكي تستمر رسالة الإسلام أوكل الله أمر قيادة الأمّة للأئمّة المطهّرين من أهل البيت (عليهم السلام).

وعليه، إذا كانت النبوّة ختمت بمحمّد (صلى الله عليه وآله)، فإنّ الإمامة بدأت بعليّ (عليه السلام)، ولا يمكن أن تنتهي إلّا بالمشروع الختاميّ الذي تتحقّق فيه الرسالة بكلّ معانيها وأهدافها.

وضمن هذا الوعي، نتفهّم التأكيد الشيعيّ على قضيّة الإمام المهدي (عليه السلام)، بوصفه المستقبل النهائيّ لتكامليّة المسيرة الإسلاميّة، الأمر الذي يجعل التشيّع هو الخيار الوحيد، الذي حقّق تفاعلاً مع الرسالة بكلّ حيثياتها، إذ كيف يمكن الحديث عن رسالة خاتمة دون الحديث عن مآلاتها النهائيّة؟

ومن هنا، فإنّ حاجة الكون كلّه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يمكن فهمها إلّا ضمن حاجة الإسلام نفسه إلى الأئمّة الذين يشكّلون ضمان استمرار الرسالة والوصل بها إلى أهدافها النهائيّة؛ وهي إقامة التوحيد والعدل في كلّ الأرض، وعليه لا نفهم وجود تعارض بين مهمّة رسول الله ومهمّة الإمام المهدي، كما لا نفهم وجه الاعتراض في إطالة عمر الامام المهدي دون عمر رسول الله إذا كانت مهمّة الإمام المهدي اقتضت ذلك ولم تقتضِه مهمّة رسول الله.

تفصيل الاجابة:

الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد أكّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أنّ الأئمّة من بعده اثنا عشر إماماً – كما في صحيحيّ البخاري ومسلم –.

وأكّد أيضاً على أنّ دولة الإسلام الكبرى – التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً – ستكون على يد الإمام الثاني عشر، وهو الإمام المهدي (عليه السلام). وعليه فلو ثبتت الإمامة لأهل البيت (عليهم السلام)، وثبت كونهم اثني عشر إماماً، وثبتت ولادة الإمام الثاني عشر؛ فقد ثبت وجوده حيّاً يُرزَق إلى اليوم. ولا مانع أن يبقيه الله تعالى من أجل الهدف الذي كُلّف به، وهو ما وعد الله به في كتابه بأنّ الصالحين هم مَن يرثون هذه الأرض، قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ}، وقد ذكر العلماء – ومنهم الكنجيّ الشافعيّ، وابن الصباغ المالكيّ –: أنّه من الدلائل على كون المهديّ حيّاً باقياً، منذ غيبته إلى آخر الزمان، بقاء عيسى بن مريم والخضر (عليهما السلام).

ومن ذلك يتّضح أنّ الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) هم الذين يمثّلون الامتداد الطبيعيّ لرسول الله، وعلى أيديهم تتحقّق الأهداف الكبرى من رسالة الإسلام، ومع أنّ رسول الله بيّن فضلهم ومكانتهم، وأوجب على الأمّة مناصرتهم ومشايعتهم، إلّا أنّ الأمّة تمرّدت عليهم، وأزالتهم عن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها، فكان أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي شهد البشر جميعاً بفضله ومنزلته، فبدل أن يلتفّوا حوله، ويستنيروا بهدايته، وينعموا بالعدل تحت ظلّه، عملوا على منابذته وحربه، إلى أن وقع صريعاً في محرابه، مخضّباً شيبته الشريفة بدم رأسه. ثم ابنُه الحسن (عليه السلام) الذي قتل مسموماً، بعد ما انفضَّ من حوله أكثر المسلمين، مفضّلين دنياهم التي كانت عند معاوية. ومن ثمّ الحسين (عليه السلام) وفاجعة الطفّ، التي تُصوِّر عمق المظالم التي جرت على أهل البيت (عليهم السلام). ومن ثمّ الأئمّة من ولد الحسين الذين شُرِّدوا في البلاد، وقُتلوا وقُتل شيعتُهم، ولم يبقَ منهم إلّا آخرهم، وهو الحجّة ابن الحسن.

وعليه، فإنّ الحِكمة تقتضي حفظه حتّى يعرف الناس فضله ومكانته، فحين تحير بهم السبل، وتسودُّ الدنيا أمامهم، وبعد أن تُملأ الدنيا ظلماً وجوراً، حينئذٍ ستتعلّق القلوب بالمنقذ الذي أعدّه الله لإقامة العدل والقسط.

نحن قد لا نفهم الحِكمة من جعل الأئمّة اثني عشر دون زيادة، ولكنّنا لا نفهم أيضاً أن يكون عددهم غير متناهٍ، فطالما جاءت الأخبار مُؤكِّدة على كون الأئمّة من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) اثني عشر، بما صحّ عند كلّ الفرق والمذاهب، فإنّ رحمة الله تقتضي الحفاظ على آخرهم، ولولا تلك الرحمة السابقة من الله، لكان يكفي أن يأخذ الله هذه الأُمّة بدم الحسين (عليه السلام)، كما أخذ قوم صالح بسبب ناقة.

ولكي نفهم الحِكمة من إطالة عمر الإمام المهدي خاصّة، لابدّ أن نستعرض ولو بشكل عامّ فلسفة وجود الإنسان وبعث الأنبياء:

فممّا هو واضح ومؤكّد عند الجميع: أنّ خلافة آدم في الأرض كانت تمهيداً لتحكيم أمر الله وإقامة العدل في الأرض، وقد غاب هذا الهدف عن الملائكة عندما قالت: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ}، وتخوُّف الملائكة لم يكن من شخص آدم (عليه السلام)، وإنّما من ذرّيّته، وقد كان نزول آدم إلى الأرض مع نزول إبليس إليها، وكان ذلك بداية الصراع بين الحقّ الذي يتجلّى في أولياء الله، والباطل الذي يتجلّى في أولياء إبليس، ولم يتأخّر هذا الصراع كثيراً، فقد بدأت ملامحه في أوّل ذرّيّة لآدم، فقد كان هابيل امتداداً لإرادة الله، وكان قابيل امتداداً لإرادة إبليس، وقد كان الخلاف الذي نشب بينهما هو أوّل البداية لسفك الدم والفساد في الأرض.

وهكذا استمر الصراع بين ذرّيّة آدم، فكان منهم الأنبياء والمرسلون وعموم الصالحين، وفي المقابل كان هناك مَن يمثّل إرادة إبليس من جبابرة وطواغيت، وفي خاتمة المطاف، إمّا أن تغلب إرادة الله فيحكم الأرض الصالحون، ويكون في ذلك إجابة عمليّة على تخوّف الملائكة، وإمّا أن تغلب إرادة إبليس ويحكم الأرض الظالمون والمفسدون، فتصدق بذلك نبوءة الملائكة، وتكون خلافة آدم وبعث الأنبياء بلا حكمة؛ إذ كيف يجعل الله تعالى فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء، ثمّ يقول ردّاً على الملائكة: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}؟.

وعليه، فإنّ الله أمهل كلّ هؤلاء الطواغيت - الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء - حتّى قدوم ذلك اليوم الموعود، فالحِكمة من الغيبة – إذن - هي ذاتها الحِكمة من خلافة آدم، وبعث الأنبياء والرسل، وهي الوصول إلى ذلك اليوم الموعود.

ولا نجد معنىً لخلافة آدم وبعث الأنبياء والرسل إّلا إقامة حكم الله في الأرض، ومَن يفهم الدين فهماً لا ينتهي إلى وجوب حكم الأرض بقيادة الصالحين، فكأنّما يجعل جهاد الأنبياء والرسل والصالحين جهاداً بلا ثمرة، ورسالة بلا حِكمة، فبدل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ}، تصبح أنّ الأرض يرثها عباد إبليس المفسدون، وهذا ما يتمنّاه إبليس ويعمل على تحقيقه.

وإذا كان الأمر كما قدّمنا أنّ الأرض يرثها الصالحون، وإذا كان الله قد اختار بعلمه منذ الأزل مِن خلقه بعضَ الأنبياء والرسل والأئمّة المطهرين، فلماذا أخّر الله هذا الأمر إلى آخر هؤلاء المصطفين؟ ولماذا لم يقم دولة العدل على يدي أيّ واحد منهم، وكلّهم يصلح لهذا الأمر، وخاصّة أنّ منهم الأنبياء أولي العزم، وآخرهم النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)؟.

ولكي نتمكّن من الإجابة على هذا السؤال - الذي يمهّد لنا الطريق إلى فهم الحِكمة من طول عمر الإمام المهدي وليس رسول الله -، لابدّ من التأكيد على الحِكمة أساساً من بعث الأنبياء، وهي أنّ الله بعثهم لتحقيق هدف يشترك فيه جميعهم، ولقد اقتضى تحقيق هذا الهدف ترتيبهم على الشكل الذي تمّ، وفي نفس الوقت إنّ أهداف الانبياء ليست موقوفة على إرادة الله وحدها، ولو كان كذلك لخلق الله الناس مؤمنين مطيعين كما جعل الملائكة، وإنّما امتحن الله خلقه بطاعة رسله، ولم يجبرهم على هذه الطاعة، ولكنّ الناس بظلمهم وجهلهم تمرّدوا على أنبياء الله ورسله واتّبعوا أهواءهم التي زيّنها لهم إبليس، ولو أنّهم اتّبعوا جميعاً أيَّ واحد من هؤلاء المصطفين، لأقاموا دولة العدل والتوحيد، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

وإذا أصبح هذا الأمر من بديهيّات وعينا الدينيّ، تصبح الإجابة لدينا واضحة، وهي أنّ حِكمة الله تقتضي التدرّج في هذه الأهداف وبحسب الأسباب الطبيعيّة التي من بينها تحمّل الناس لمسؤوليّاتهم اتّجاه أنبياء الله وأوليائهم، فقد بعث الله للبشريّة مائة وأربعة وعشرين ألف نبيّ بما فيهم أولو العزم، إلّا أنّ البشريّة لم تقم بواجبها اتّجاه الأنبياء، وعندما لم يبقَ من عباد الله المصطفين غير الإمام الثاني عشر من أهل بيت رسول الله، تدخّلت إرادة الله لحفظه حتّى تعود البشريّة إلى رشدها، وتعرف أنّ نجاتها في اتّباع أولياء الله، فعندما تبحث عنه جادّةً في اتّباعه سيظهره الله تعالى ليقودهم إلى إقامة العدل ومحاربة الظلم.