التشكيك بالأحاديث المروية عن أهل البيت (ع)

سؤال : صحة الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) محل شك، لأن الكثير من أصحاب سيدنا علي رضى الله عنه او من تسموا بشيعته وعلى عهده لم يكونوا صالحين ، هو نفسه دعا عليهم، ومن قتله كان منهم، فكيف نأخذ عنهم إذا كنا نرفض ما جاء عن الصحابه وهم من لم يأتى فيهم ذم صريح حتى على لسان رسول الله فكيف نقبل بما جاء به اشخاص جاء فيهم كل هذا الذم على لسان سيدنا على رضى الله عنه ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب :

هذا سؤال ناتج عن سوء فهم، ويتضمّن مغالطات عديدة، بيان ذلك:

ليس كلّ مَن كان حول الإمام علي (عليه السلام) هو من شيعته، بل إنّ شيعته ومَن عرف حقّه هم قلّة قليلة، وأكثر جيشه الذين حاربوا معه كانوا على سنّة الخلفاء وموالين لهم.

قال ابن تيمية [ت728هـ] مؤكّداً ذلك: (وليس كلُّ مَن قاتل مع عليّ كان يفضّله على عثمان، بل كان كثيرٌ منهم يفضّل عثمان عليه، كما هو قول سائر أهل السنّة) [منهاج السنة ج4 ص132].

فإذا كان كثير منهم يفضّل عثمان عليه، فهم سنّة.

وقال الباقلاني [ت403هـ]: (غير أنّكم تعتقدون صحّة هذه الرّوايات عنه وثبوتها ... لأنّ أنصاره كانوا شيعة أبي بكر وعمر وعثمان) [الانتصار للقرآن ج2 ص474].

والباقلاني يقصد أنّ أنصار عليّ (عليه السلامم) هم من شيعة الخلفاء الثلاثة.

ثم إنّ أكثر مرويّات الإمام عليّ (عليه السلام) في كتب الإماميّة، نقلها عنه أبناؤه الأئمّة (عليهم السلام).

أمّا سائر النقولات عنه (عليه السلام) من أصحابه، فإنّها مرويّات تخضع لعلم الجرح والتعديل، لمعرفة الصحيح من الضعيف. ومعلوم أنّ الإمامية لا تأخذ عن النواصب وعن ابن ملجم الخارجيّ - قاتل الإمام (عليه السلام) -، وهو الذي أشار إليه السائل.

فمَن ذمّهم الإمام (عليه السلام) إنّما كانوا على سنّة الخلفاء، فلم يكونوا شيعة، وحتّى لو ذمّ الإمام (عليه السلامم) أحد الشيعة أو ثبت جرحه، فإنّ روايته تسقط إنْ كان قد روى وتفرّد بذلك.

فإنّ للإماميّة منهجاً محكماً في قبول الأخبار وتمحيصها، وتتضمّن كتبهم الرجاليّة أحوال الرواة من أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) جرح وتعديل للرواة، فمَن كان ثقة صادقاً ضابطاً أخذوا عنه، ومَن لم يكن كذلك تركوه.

قال الشيخ الطوسي : (إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقوا بين مَن يُعتمد على حديثه وروايته، ومَن لا يُعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم، وقالوا فلان متّهم في حديثه، وفلان كذّاب، وفلان مخلّط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفيّ، وفلان فطحيّ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنّفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه، حتّى إنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعفه برواته من التصانيف في فهارسهم، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم) [العدة في أصول الفقه ج1 ص241ـ242]

ويمكن تلخيص الجواب بما يلي :

ـ أكثر مَن كان مع الإمام علي (عليه السلام) ومَن حارب معه، من أهل السنّة باعتراف ابن تيمية والباقلانيّ، فالذمّ متوجّه إليهم.

ـ شيعة الإمام (عليه السلام) قلّة، كما يدلّ على ذلك روايات عديدة في كتبنا، منها ما هو صحيح السند، ومع ذلك فالإماميّة لا تقبل مرويّاتهم لكونهم شيعة، بل لابدّ من إحراز وثاقتهم.

ـ زعم السائل أنّه لم يرد ذمّ صريح للصحابة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا غير صحيح، ونحيل المهتمّ إلى مؤلّفات الإماميّة حول عدالة الصحابة، وأحاديث الحوض التي رواها البخاريّ ومسلم، ونصّهم على أنّ الصحابة يُساقون إلى النار، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النعم، وهذه كناية عن قلّة الناجين.

والحمد لله رب العالمين.