هل إيمان أمير المؤمنين بالأنبياء يدل على أفضليتهم عليه؟
السؤال: أئمة أهل البيت اقل منزلة عند الله من الانبياء والرسل بدليل قوله تعالى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾، فجميع المؤمنين بما فيهم ائمة اهل البيت مأمورين بالإيمان بالأنبياء والرسل، وبالضرورة يلزم أن يكون كل من علي وأولاده الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أقل منزلة عند الله تعالى من الرسل عليهم الصلاة والسلام بداهة.
الجواب:
يبدو أنّ هذا السؤال جاء ردّاً على إجابة سابقة، بيّنا فيها فضل الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) - وعلى رأسهم أمير المؤمنين - على جميع الأنبياء والمرسلين باستثناء سيّدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وما ذكر في هذا السؤال من دليلٍ نقضيّ على ما ذكرناه سابقاً غيرُ تامّ؛ لأنّ:
أوّلاً: لبداهة أنّ الآية دلّت أيضاً على ضرورة إيمان الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) بجميع الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه، وما هو مجمع عليه عند جميع المسلمين أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعلى منزلة وأفضل درجة من جميع الأنبياء والمرسلين.
وعليه، فإنّ الآية لا تصلح لنقض أفضليّة أمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيّته، ولو جاز ذلك لجاز أيضاً على رسول الله، وهو باطل بالإجماع.
ثانياً: أوجبت الآية أيضاً على المؤمنين الإيمان بالملائكة، ولم يستدل أحد بهذه الآية على أفضليّة الملائكة على المؤمنين، بل المشهور عند علماء الأمّة: أنّ الصالحين من البشر أفضل من سائر الأجناس بما فيها الملائكة، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: « ما شيء أكرم على الله من ابن آدم، قيل: يا رسول الله، ولا الملائكة؟! قال: الملائكة مجبورون، بمنزلة الشمس والقمر ». وعن الإمام الباقر (عليه السلام): « ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً أكرم على الله عزّ وجلّ من المؤمن، لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين ». وعن الإمام الصادق (عليه السلام) - وقد سأله عبد الله بن سنان: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ - قال: « قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمَن غلب عقلُه شهوتَه فهو خيرٌ من الملائكة، ومَن غلبت شهوتُه عقلَه فهو شرّ من البهائم » [ميزان الحكمة ج1 ص222].
ثالثاً: هناك العديد من الروايات التي تؤكّد أنّ الله تعالى قد أخذ من الأنبياء قبل بعثتهم عهداً بالإذعان بولاية عليّ بن أبي طالب وسائر الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، ومن ذلك ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره: قال الصادق (عليه السلام) - في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ} الآية -: كان الميثاق مأخوذاً عليهم لله بالربوبيّة، ولرسوله بالنبوّة، ولأمير المؤمنين والأئمّة بالإمامة » [بحار الأنوار ج26 ص268].
وعن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « ما قبض الله نبيّاً حتّى أمره أن يوصي إلى عشيرته من عصبته وأمرني أن أوصي. فقلت: إلى مَن يا ربِّ؟ فقال: أوصِ - يا محمّد - إلى ابن عمّك عليّ بن أبي طالب، فإنّي قد أثبته في الكتب السالفة، وكتبت فيها أنّه وصيّك، وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي، أخذت مواثيقهم لي بالربوبيّة، ولك - يا محمّد - بالنبوّة، ولعليّ بن أبي طالب بالولاية » [بحار الأنوار ج26 ص272].
وعن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} - قال: « أخرج الله من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة كالذرّ، فعرّفهم نفسه، ولولا ذلك لم يعرف أحدٌ ربَّه، وقال: ألستُ بربّكم؟ قالوا: بلى، وإنّ هذا محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) » [بصائر الدرجات ص92].
وعن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: « ولاية عليّ مكتوب في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله نبيّاً إلّا بنبوّة محمّد وولاية وصيّه عليّ (عليه السلام) » (بصائر الدرجات ص 92)
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله- ) في حديث الإسراء - قال: « وجمع الله إلى النبيّين، فصفّهم جبرئيل (عليه السلام) ورائي صفّاً، فصلّيت بهم، فلمّا سلّمت أتاني آتٍ من عند ربّي، فقال لي: يا محمّد، ربُّك يقرئك السلام ويقول لك: سل الرسل على ماذا أرسلتهم من قبلك؟ فقلت: معاشر الرسل، على ماذا بعثكم ربّي قبلي؟ فقالت الرسل: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب، وهو قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا} » [بحار الأنوار ج26 ص307].
وغير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة على أخذ الله ميثاق الأنبياء على نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) وولاية عليّ (عليه السلام).
اترك تعليق