هل شرف المرأة مربوط بغشاء البكارة؟
السؤال: ما زالت العذرية وغشاء البكارة من أحد السلع بالغة القيمة للرجل المسلم وشرفه! فمن خلال هذه القطعة المطاطية الصغيرة والرقيقة في مهبل المرأة، يتم تقييم المرأة، ثم تقدم كهدية لزوجها مقابل المهر الذي يدفعه، بهذا يعتبر غشاء بكارة المرأة - أي عذريتها - سلعة ثمينة باهظة الثمن تساوي حياة المرأة.
الجواب:
لمناقشة مثل هذه المواضيع الحساسة لابدّ أن نفرّق بين الأعراف الاجتماعيّة وبين الأحكام الشرعيّة الإسلاميّة؛ لأنّ الخلط من هذه الجهة قد يتسبّب في جعل الرؤية مشوّشة فيما يتعلّق بعلاقة المرأة بالرجل.
مثلاً: لو افترضنا أنّ هناك مجتمع متساهل جداً في بعض صور هذه العلاقة، ومجتمع آخر متشدّد جداً، فعدم التمييز بين الأحكام الإسلاميّة وبين الأعراف الاجتماعيّة يؤدّي بكلّ مجتمع من هذه المجتمعات إلى شرعنة عاداته بنسبتها للإسلام.
والشواهد التي تؤكّد على ذلك من داخل المجتمعات الإسلامية تثبت ذلك، فهناك الكثير من الدول والمجتمعات الإسلاميّة لا ترى أيّ تعارض بين إسلامها وبين أن تكون المرأة غير محجّبة أو ذات علاقات منفتحة مع الرجال، وفي المقابل نجد بعض الدول والمجتمعات لا تكشف المرأة وجهاً حتّى لزوجها وأولادها وللنساء الاخريات، وقد نشر موقع قناة العربية تقريراً مفصلاً عن حالات مختلفة لسعوديّين وسعوديّات لم يرَ أزواجهنّ وجوههنّ، رغم مرور سنوات وحتّى عقود على زواجهم، ثمّ ذكر التقرير نماذج متعددة نذكر منها نموذجين:
الأوّل: لشخص اسمه محمّد، الذي لم يتمكن من رؤية وجه زوجته رغم مرور 40 عاماً على زواجهما، وإنجابهما 3 أولاد، وفي اللحظة التي شاهد وجهها طالبته بالطلاق، معدّة ذلك تجاوزاً للعادات والتقاليد التي اعتادت وتربّت عليها.
والثاني: لامرأة اسمها أمّ ربيع الجحدريّ (70عاماً)، وهي أمّ لشابّين، لم يرَ وجهها زوجُها وولداها ولو مرّة واحدة، إنّها اعتادت على ارتداء البرقع منذ أن كانت طفلة، معتبرة أنّ خلعه عيب كبير، وأشارت إلى أنّ زوجها لم يطلب منها أن تنزعه، لأنّه يعلم أنّ ذلك من العادات التي يجب المحافظة عليها، وعن إنجابها دون أن يرى زوجها وجهها، مبيّنة أنّ ذلك لا يعدّ مهمّاً، فقد اعتاد ألّا يرى وجه والدته وأخواته الإناث، مؤكّدة أنّ الألفة والمودّة هما أساس العلاقة الزوجيّة وليس الوجه.
هذه المفارقات تكشف عن مدى الخلط الذي يحدث بين العادات وبين الأحكام الشرعيّة.
وعلى هذا الأساس، لو نظرنا لموضوع غشاء البكارة وبكرية الفتاة، نجد أنّ الإسلام لم يجعله معياراً لتقييم المرأة، فمَن فقدت عذريّتها بسبب زواج سابق، أو بسبب حادث، لا تقلّ كرامتها، ولا يخدش ذلك في شرفها.
وعليه، فإنّ معيار الشرف والعفّة في الإسلام لا علاقة له بتلك القطعة المطاطيّة - كما يعبّر السائل -، وإنّما له علاقة بالزنا والعلاقات خارج إطار الزوجيّة، فالمرأة تفقد الشرف والعفّة عندما تكون سلعة رخيصة في يد الرجال، يفعلون بها ما يشاؤون، والشرف بهذا المعنى ليس خاصّاً بالنساء وإنّما يشمل الرجال أيضاً، فشرف الرجل أيضاً مربوط بعفّته واجتنابه للزنا وتتبّع عورات الآخرين.
فلذا لا يجوز اتّخاذ غشاء البكارة كدليل على العفّة أو عدمها، ولا دليل على ذلك من كتابٍ أو سنّةٍ أو إجماعٍ، فقد تفقد العفيفة غشاء بكارتها بسبب حادث ما، وقد ترتكب الفاسدة أنواعاً من المحرّمات مع بقاء غشاء البكارة.
وكلّ ما في الأمر، يمكن قبول غشاء البكارة كقرينة من القرائن على عفّة المرأة أو عدم عفّتها، فوجود غشاء البكارة عند المعروفة بالصلاح والدين قرينة على عفّتها، وعدم وجوده عند مَن عُرفت بضعف الدين وسوء الخلق قرينة على عدم العفّة.
وفي المحصّلة، الإسلام غير مسؤول عن كثير من العادات والتقاليد فيما يخصّ غشاء البكارة في بعض المجتمعات، وكلّ ما في الامر أنّ الإسلام يحرّم الزنا ويهتمّ بعفّة المرأة وشرفها وأن لا تكون سلعة رخيصة في يد الرجال.
اترك تعليق