هل في القرآن اختلاف؟

السؤال: الله يقول عن القرآن لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا!. لكن القرآن فعلاً فيه اختلافات كثيرة.. قراءات سبع، وتفاسير عدّة، وباطن وظاهر، ومحكم ومتشابه، وغير ذلك!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

قبل الإجابة عن السؤال لا بدّ من بيان المقصود من كلمة (الاختلاف) في قوله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، إذْ من الواضح أنّ الآية ليست في مقام نفي مطلق الاختلاف، وإنّما في مقام نفي الاختلاف بمعنى التباين والتفاوت والتناقض، وعليه فلا يدخل في الاختلاف اختلاف مقادير الآيات والسور ولا تعدّد الموضوعات والمسائل والتوجيهات والأحكام وغير ذلك.

فالآية في مقام تنزيه القرآن من كلّ نقص وعيب، والاختلاف بمعنى التناقض والتفاوت وعدم المطابقة للواقع هو الذي يجب تنزيه القرآن عنه.

وبمعنى آخر: إنّ كلّ من يتدبّر آيات القرآن سيجده في غاية الإحكام والدقّة، مؤتلفاً في معانيه، واحداً في مبانيه، متّسقاً في أهدافه وغاياته، وفي غاية الإحكام في بلاغته وفصاحته.

يقول السيّد الطباطبائيّ في تفسير هذه الآية: (هذا الكتاب جاء به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نجوماً وقرأه على الناس قطعاً قطعاً في مدّة ثلاث وعشرين سنة في أحوال مختلفة وشرائط متفاوتة في مكّة والمدينة في الليل والنهار والحضر والسفر والحرب والسلم في يوم العسرة وفي يوم الغلبة ويوم الأمن ويوم الخوف، ولإلقاء المعارف الإلهيّة وتعليم الأخلاق الفاضلة وتقنين الأحكام الدينيّة في جميع أبواب الحاجة، ولا يوجد فيه أدنى اختلاف في النظم المتشابه، كتاباً متشابهاً مثاني، ولم يقع في المعارف التي ألقاها والأصول التي أعطاها اختلاف يتناقض بعضها مع بعض وتنافي شيء منها مع آخر، فالآية تفسّر الآية والبعض يبيّن البعض، والجملة تصدّق الجملة كما قال عليّ (عليه السلام): (ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض) (نهج البلاغة). ولو كان من عند غير الله لاختلف النظم في الحُسن والبهاء والقول في الشداقة والبلاغة والمعنى من حيث الفساد والصحّة ومن حيث الإتقان والمتانة" (تفسير الميزان ج1 ص 66).

وإذا اتّضح ذلك يتّضح أنّ ما أشار إليه السائل ليس من باب الاختلاف في شيء.

أولاً: القراءات السبع: وهي في الواقع إمّا اجتهاد من القارئ، وإمّا منقولة بخبر الواحد، وبالتالي فهي غير متواترة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا يحمل الاختلاف فيها على الاختلاف في القرآن، أي أنّ اختلاف القراءات لا يعني اختلاف القرآن، فكون القرآن ثابت بالتواتر لا يعني أنّ القراءات ثابتة أيضاً بالتواتر، فهناك فرق بين تواتر القرآن وتواتر القراءات، وقد صرّح السيّد الخوئيّ بذلك في تفسير البيان بقوله: (ومن الحقّ إنّ تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات)، ويقول أيضاً: (والحكم بتواتر جميع القراءات باطل بالضرورة). فمن أراد الوقوف على تفصيل هذا البحث يمكنه الرجوع إلى تفسير البيان للسيّد الخوئيّ.

ثانياً: تعدّد التفاسير: فمن الواضح جدّاً أنّ اختلاف التفسير يرتبط باختلاف المفسّرين، ولا علاقة له باختلاف القرآن نفسه، ولا ندري على أيّ أساس جعله السائل من مصاديق الاختلاف في القرآن الكريم؟

ثالثاً: الظاهر والباطن: وممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن له ظهر وبطن، والروايات في هذا الشأن كثيرة، روى الكلينيّ بسنده عن الصادق عن آبائه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل يصف فيه القرآن ويقول: وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم» (الكافي للكليني ج2 ص 598).

وروى الصدوق بسنده عن حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ظهر القرآن وبطنه فقال: ظهره الذين نزل فيهم القرآن، وبطنه الذين عملوا بأعمالهم يجري فيهم ما نزل في أولئك» (معاني الاخبار للصدوق، ج1 ص 259).

وهذا أيضاً لا يعدّ من مصاديق الاختلاف، وذلك لأنّ الظاهر لا يتعارض ولا يتناقض مع الباطن، وقد حذّر العلماء من التأويلات التي تخالف ظاهر القرآن، وقد أشار السيّد الطباطبائيّ في مقدّمة تفسيره إلى تأويلات المتصوّفة بقوله: (وأما المتصوّفة، فإنّهم لاشتغالهم بالسير في باطن الخِلقة واعتنائهم بشأن الآيات الأنفسيّة دون عالم الظاهر وآياته الآفاقيّة اقتصروا في بحثهم على التأويل، ورفضوا التنزيل، فاستلزم ذلك اجتراء الناس على التأويل، وتلفيق جمل شعريّة والاستدلال من كلِّ شيء على كلِّ شيء، حتّى آل الأمر إلى تفسير الآيات بحساب الجمل وردّ الكلمات إلى الزبر والبيّنات والحروف النورانيّة والظلمانيّة، إلى غير ذلك.

ومن الواضح أنّ القرآن لم ينزل هدىً للمتصوّفة خاصّة، ولا أنّ المخاطبين به هم أصحاب علم الأعداد والأوفاق والحروف، ولا أنّ معارفه مبنيّة على أساس حساب الجمل الذي وضعه أهل التنجيم بعد نقل النجوم من اليونانيّة وغيرها إلى العربيّة.

نعم، وردت روايات عن النبيّ (صلّى‌ الله‌عليه ‌وآله) وأئمّة أهل البيت (عليهم ‌السلام) كقولهم: (إنّ للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن أو إلى سبعين بطناً الحديث). لكنّهم (ع) اعتبروا الظهر كما اعتبروا البطن ، واعتنوا بأمر التنزيل كما اعتنوا بشأن التأويل" (مقدمة الميزان ص 7).

رابعاً: المحكم والمتشابه: فقد بينّا المقصود من المحكم والمتشابه في إجابة مفصّلة تحت عنوان: (كيف نفرّق بين المحكم والمتشابه)، فيمكن الرجوع إليها في موقعنا على الرابط التالي:

https://alrasd.net/arabic/4615

ومن الواضح جدّاً أنّه لا علاقة لذلك بوجود اختلاف في القرآن الكريم.