هل ترتيب آيات السور توقيفي أم اجتهادي وما تأثير ذلك على حجية السياق؟
س: هل القرآنُ الموجودُ بأيدينا هوَ نفسُ القرآنِ في عصرِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله مِن حيثُ الترتيب؟ وإن لم يكُن كذلك فهل يمكنُ الاستفادةُ مِن قرينةِ السياقِ في تعيينِ مداليلِ الآيات؟
الجوابُ:
كلمةُ الترتيبِ تُحمَلُ على عدّةِ معانٍ، فتارةً يُقصَدُ بها الترتيبُ بينَ حروفِ وكلماتِ وجُملِ الآيةِ الواحدة، وقد أجمعَت الأمّةُ على توقيفيّةِ الترتيبِ بهذا المعنى، فكلُّ حروفِ وكلماتِ وجُملِ الآياتِ جاءَت على النحوِ الذي هوَ عليه، وبذلكَ يمكنُنا القولُ بحُجّيّةِ السياقِ على نطاقِ الآيةِ الواحدة.
وتارةً يُقصَدُ به الترتيبُ بينَ سورِ المصحفِ الشريف، وقد ادّعيَ أيضاً الإجماعُ عليه، فسورُ القرآنِ جاءَت مُرتّبةً منذُ عهدِ رسولِ الله على النحوِ الذي هيَ عليه، إلّا أنَّ ذلكَ لا تأثيرَ له في موضوعِ السياق، فتقدّمُ السورِ أو تأخّرِها في حالِ حصولِه ليسَ له علاقةٌ بالترابطِ الدلاليّ بينَ آياتِ السورةِ والواحدة.
وتارةً يقصدُ به الترتيبُ بينَ آياتِ السورةِ الواحدة، وهذا هوَ العُمدةُ في القولِ بحُجّيّةِ السياقِ بينَ آياتِ السورةِ الواحدة، والرأيُ الشائعُ بينَ جمهورِ عُلماءِ المُسلمين هوَ كونُها مُرتّبةً بشكلٍ توقيفيّ، أي أنَّ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أشرفَ بنفسِه على آياتِ كلِّ سورةٍ مِن سُورِ القرآن، يقولُ الشيخُ فاضِل اللنكرانيّ في مدخلِ التفسير: «أمّا الجمعُ الذي هوَ محلُّ البحث في المقامِ هوَ الجمعُ بمعنى التأليفِ والتركيبِ وجعلُ كلّ آيةٍ في السورةِ التي هيَ جزءٌ لها، وفي موضعِها مِن تلكَ السورة، والجمعُ بهذا المعنى لا يكونُ إلاّ وظيفةَ النبيّ ـ بما هوَ نبيّ ـ ولم يتحقَّق إلاّ منه، ولا معنى لصدورِه مِن غيره، حتّى في عصرِه وزمنِ حياتِه، ومنهُ يظهرُ أنَّ الرواياتِ الدالّةَ على تحقّقِ الجمعِ مِن أشخاصٍ مُعيّنينَ في زمنِ النبيّ لا يكونُ المرادُ بها هذا المعنى، فإنّ مثلَ اُبيّ بنِ كعب لا يقدرُ على ذلك، وإن كانَ في حياةِ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) ضرورةٌ أنّه مِن شؤونِ القرآنِ وما به تقومُ حقيقتُه، ولا طريقَ له إلاّ الوحي»، ويقولُ السيّدُ الخوئي في تفسيرِ البيان: «فإنَّ كثيراً مِن آياتِ الكتابِ الكريمةِ دالّةٌ على أنَّ سورَ القرآنِ كانَت مُتميّزةً في الخارجِ بعضُها عن بعض، وأنَّ السورَ كانَت مُنتشرةً بينَ الناس، حتّى المُشركينَ وأهلِ الكتاب، فإنَّ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قد تحدّى الكُفّارَ والمُشركين على الإتيانِ بمثلِ القرآن، وبعشرِ سورٍ مثلِه مُفتريات، وبسورةٍ مِن مثلِه، ومعنى هذا: أنَّ سورَ القرآن كانَت في متناولِ أيديهم».
وبناءً على ذلكَ يمكنُ الاعتمادُ على سياقِ الآياتِ كقرينةٍ لفهمِ الآياتِ وتفسيرِها، حيثُ عُرّفَ السياقُ بأنّه فهمُ النصِّ بمراعاةِ ما قبله وما بعده، وبمعنىً آخر فهمُ الآيةِ بما لا يخرجُها عن الآياتِ السابقةِ واللاحقةِ ما لم يرِد دليلٌ خاصٌّ بإخراجِها، أمّا مَن يرفضُ ترتيبَ السورِ بشكلٍ توقيفيّ لا يمكنُه الاعتمادُ على السياقِ كقرينةٍ كما هوَ واضح.
وفي المُحصّلةِ الظهورُ السياقيّ يُعدُّ قرينةً عُقلائيّةً لاستظهارِ المعنى، ويجبُ العملُ بهذه القرينةِ ما لم تعارضها قرائنُ أخرى أقوى مِنها، ولذا قالوا: إنَّ السياقَ إنّما يكونُ دليلاً وحُجّةً في صورةِ ما لو عُلمَ أنَّ المُتكلّمَ بصددِ بيانِ موضوعٍ واحد، مِن مبدأ كلامِه إلى نهايتِه؛ ليكونَ بعضُ كلامِه قرينةً على البعضِ الآخر. فإذا وردَ ما يُخالِفُ ذلك، فإنّهُ يكونُ مُخالفاً للظهورِ السّياقي.
اترك تعليق