هل كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) غنيّاً أم فقيراً؟

السؤال: يوجد كتاب إسلاميّ كامل يتحدّث عن ثروة محمّد من تأليف أ.د. محمد الزحيليّ وهو بعنوان "أموال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كسباً وإنفاقاً وتوريثاً" وكتب على غلافه "كان ثريّاً منفقاً لا فقيراً زاهداً"..؟ أين الحقيقة بين القولين؟ هل كان غنيّاً أو فقيراً كما تُصوّره بعض أدبيّات التراث؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

ممّا لا شكّ فيه أنّ تركيز البحث على الجانب الماليّ من سيرة النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يساعد في تكوين تصوّر أكثر علميّة وموضوعيّة حول الاقتصاد النبويّ، وما يُؤسف له أنّ الدراسات العلميّة في هذا الحقل تكاد تكون معدومة، ومن هنا تبرز أهميّة البحث الذي قام به الدكتور عبد الفتّاح محمّد السمّان، تحت عنوان (أموال النبيّ كسباً وإنفاقاً وتوريثاً)، وهو عبارة عن رسالة دكتوراه تحت إشراف الدكتور محمّد الزحيليّ من كبار علماء الشريعة الاسلاميّة السوريّين، وقد وصفت هذه الرسالة بأنّها رسالة مُحكّمة علميّاً وشرعيّاً وبحثيّاً، إذْ قال عنها المشرف في تقديمه لها: "لم يَدُرْ بخَلَدي يوماً أنّ ماليّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يمكن أنْ يُفرَد لها كتاب يقع في (560) صحيفة، بعد أنْ يسلك سبيل البحث العلميّ، ويجني دكتوراه محكَّمة بدرجة امتياز، معتمداً على القرآن الكريم والصحيحين". ثمّ يعلّق الدكتور الزحيليّ على الأرقام المالية التي جمعها المؤلّف في بحثه بقوله: "كلّ هذه الأرقام تمّ استخلاصها من نصوص وأدلّة وشواهد ثابتة، كانت تنعم بدفء الكتب ذات الأوراق الصفراء على رفوف مكتبات العلماء زمناً طويلاً".

وعليه تعود أهميّة هذا البحث في كونه البحث الوحيد المتخصّص والشامل في عنوانه، وقد استغرق البحث من المؤلّف ثمان سنوات، جمع فيها كلّ ما له علاقة بالجانب الماليّ في السيرة النبويّة الشريفة، والنتيجة التي توصّل إليها من خلال بحثه المستفيض هي أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لم يكن فقيراً محتاجاً وإنّما كان ثريّاً منفقاً، وقد عبّر عن ذلك بقوله: "إنَّه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كان ثريَّاً منفقاً ولم يكن زاهداً فقيراً فاقداً، وإنَّ آلاف الصَّفحات التي يُمكن أن تُكتَب عن تعامله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم مع ماله الشخصيِّ (في الكسب، والإنفاق الخاصِّ، والإنفاق الاستراتيجيّ، إضافةً إلى الاستثمار لما بعد الوفاة) لم تكتب بعد.. وهذا الكتاب مجرَّد خطوطٍ عريضةٍ وعناوين رئيسةٍ في البحر الذي لم يُكتَشَف بعد، والذي يمكن أن يطلَق عليه اسم: (الاقتصاد النبويّ).

ثمّ ختم بقوله: (وللأمانة، فأؤكّد أنَّ الكتاب جديدٌ في فكرته وطريقة عرضه، ولكنَّه ليس جديداً في الدين أو السيرة، فالأحداث التي ذكرتها هي حقائقُ موجودةٌ ومنثورةٌ في الكتب، ولكن دخل عليها تَحريف بعض الغالين، أو تأويل المبطلين؛ إذْ كان الذي ثبت لي بلا ريب ثراء النبيَّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، فهو صلّى الله عليه [وآله] وسلّم غنيٌّ، عزيزٌ، جوادٌ..، بأمر الله ورعايته، وكلُّ ما قدَّمه الكتاب: أَنْ أماط اللّثام عمَّا خفيَ من سيرته صلّى الله عليه [وآله] وسلّم العطرة، وجمَعَ ما تفرَّق منها..، وغاية القول: إنَّ الله أكرمني بأنْ نفضت الغبار عن تلٍّ من الذَّهب، بقي ردحاً من الزمن يُنظر إليه على أنَّه صلصال كالفخار).

وفي المحصلة، يمكننا القول: إنّ البحث الذي قام به الدكتور عبد الفتّاح محمّد السمّان من البحوث العلميّة المقدّرة والتي ترفد المكتبة الإسلاميّة بالكتب الجادّة والمفيدة، والنتيجة التي توصل إليها قد تكون الأقرب إلى سيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأكثر انسجاماً مع روح الإسلام وتعاليمه المشجّعة لكلّ ما يحقّق القدرة والاقتدار، وإن كان هناك نقاش فهو لا يعدو أنْ يكون نقاشاً حول توثيق بعض الأمثلة والنماذج أو فيما يتعلّق بالتباين في وجهات النظر في تحليل بعض الأحداث. والله أعلم.