«نفس الله القائمة فيه بالسنن»

في زيارة صفوان الجمال لمولانا أمير المؤمنين :«السلام على وجه الله الذي من آمن به آمن، السلام على نفس الله تعالى القائمة فيه بالسنن، وعينه التي من عرفها يطمئن، السلام على أذن الله الواعية في الأمم، ويده الباسطة بالنعم» [بحار الأنوار ج97 ص330]، ما معنى نفس الله القائمة فيه بالسنن؟ وهل تحتمل كلمة النفس معاني عدة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

كلمة (نفس) في اللغة تأتي بعدّة معانٍ، ويتحدّد معناها بحسب السياق الذي ترد فيه، فقد تعني الذات كما في قولنا (جاء بنفسه)، أي جاء هو ذاته، أو الروح والحياة كما في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، أي يقبض الأرواح، وقد تأتي بمعنى الإرادة، كأنْ نقول: (فلان يتصرّف بنفسه)، أي بإرادته الخاصّة، وكذلك قد تدلّ على القرب، كما في قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللّهُمّ أنا أو كنفسي، ثمّ أخذ بيد عليّ» [مصنّف ابن أبي شيبة ج7 ص499]، أي أنّه أقرب الناس إليه وأشدّهم اتّحاداً بصفاته ومنهجه، لا من حيث الذات، بل من حيث الدور والمكانة. ومن المعاني الأخرى لكلمة (نفس) أنّها قد تدلّ على المثل والمظهر الأكمل، وهو معنىً راسخٌ في الاستعمالات الأدبيّة والروحيّة، حيث يُقال: فلان نفس فلان، أي أنّه يشبهه تماماً في صفاته وكمالاته، بحيث يكون أقرب الناس إليه في طباعه وفكره وسيرته، وقد جاء هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61]، حيث أجمع المفسّرون على أنّ {أنفسنا} تشير إلى الإمام عليّ (عليه السلام)، أي أنّه نفس النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)، لا بمعنى أنّه ذاته، بل بمعنى أنّه أقرب الناس إليه، وأكملهم تمثيلاً لمنهجه، والمظهر الأتمّ لصفاته. وهذا الفهم ينسجم تماماً مع ما ورد في الزيارة الشريفة لأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما وُصف بـ «نفس الله القائمة فيه بالسنن». فلكي نفهم هذه العبارة، لا بدّ أن ننظر إلى العلاقة بين الإمام عليّ (عليه السلام) وبين سنن الله في الكون والدين. فالله سبحانه جعل للوجود قوانين وسنناً ثابتة تحكمه، سواء كانت قوانين كونية تحكم المادّة والحياة، أم قوانين تشريعيّة تنظّم علاقة الإنسان بربّه وبالناس، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]. ومن هنا، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو القائم بهذه السنن، أي أنّه التجسيد الحيّ لها، سواء من حيث تطبيقها في الحكم والقضاء بين الناس، أم من حيث تجسيدها في أخلاقه وسيرته، أم من حيث إرشاد الناس إليها وتعليمهم إيّاها. ولذلك، فهو (نفس الله) أي مظهر إرادته ومرآة أمره، وهو القائم بالسنن، أيْ المطبّق لها في واقع الحياة. وهذا يتناسب مع الألقاب الأخرى الواردة في نفس الزيارة، مثل: (وجه الله) و(عين الله)، و(أذن الله)، و(يده الباسطة بالنعم)، فهذه كلّها تعبيرات تشير إلى أنّ الإمام هو الوسيلة التي تتحقّق بها مشيئة الله بين عباده، سواء في الهداية أم في إيصال النعم أم في تطبيق العدل. وبذلك، نستطيع أن نقول: إنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) ليس مجرّد حاكم أو معلّم في الأمّة، بل هو المثال الأكمل الذي يُظهر سنن الله في الوجود، وهو القائم بها والمدافع عنها، وهو المظهر التامّ لمشيئة الله في الأرض.