القرآن يخاطب كلّ النّاس بالتدبّر فيه.

روكان/ العراق/: من صعوبة فهم نصوص آيات القرآن نفهم انه مخصوص بفئة من المجتمع محددة لا لكل الناس كما يدعي المسلمون؟

: اللجنة العلمية

الأخ روكان ، يمكنُ الاجابةُ على سؤالك من خلال عدة مستويات:

الأوّل: كيف خرجتَ بهذه القاعدة (فهم القران مخصوص بفئة من المجتمع) ؟!هل وجدتَ هذه الدّعوى في أحدِ الكتب فصرت الى استحسانها وقبولها وطرحها -إذن كان عليكَ قبل طرحها مراجعةَ نصوص القران بنفسكَ لترى صدقَ أو كذب هذه الدّعوى- أم من خلال تَتبّعِك نصوصَ القران فوجدتَ نفسك غير قادرٍ على فِهمها فصرتَ الى تعميم عدم الفهم ، وعدم فهمك لا يعني عدم فهم الجميع!

أم لا هذا ولا ذاك وإنّما أنت تتبّعت فوجدتَ أنّ بعض نصوص القران لا يمكنُ فهمها وهي بحاجةٍ الى تفسير فعمّمتَ هذا على كلّ القران وهذا لا يكون مُسوّغاً لك لتعمّم قاعدةً كليّةً عامة على كلّ النّصوص بسبب عدم فهم بعضها.

الثاني : إنّ القران هو أصلُ الإسلام وأساسه وهو الدّستورُ الذي جعلهُ الله وأمرَ كل البشريّة ان تهتديَ بهداه ليرسمَ لهم الطّريقَ الواضح الصحيح الذي فيه صلاحُهم ونجاتُهم في الدّنيا والاخرة فكيف يأمرهم الله باتّباع دستورٍ لا يفهمون نصوصه!

الثالث : إنّ القران  في أوّل نزوله نزل في بيئةٍ ليست متحضّرةً وليس فيها علماء ،بل كان الطّابعُ الطّاغي على من أُنزِل القرآن بساحتهم آنذاك طابعَ البساطة والبداوة وقد سَمعوا نصوصَ القرآن تُتلى عليهم وقد تحدّاهمُ الله بأن يأتوا بمثل هذا القرآن او لا أقل أن يأتوا بآيةٍ من مثله، فكانَ الأولى منهم أن يقولوا لنبيّ الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) كيف يأمرنا ربّك بأن نقبلَ بكتابٍ لا نفهمُ نصوصَه وكيف يتحدّانا ان نأتي ولو بآيةٍ من مثله ونحن لم نفهمه ولكنّنا لم نسمع أبداً أنّهم قالوا ذلك بل هم أقرّوا به وبإعجازه وفصاحته في أنفسهم وإن أنكروه علانيةً بألسنتهم.

الرّابع : إنّ نصوصَ القرآن واضحةٌ وصريحةٌ في أنّ فهمَهُ مُتيسّرٌ لكلّ النّاس وإنّه نزل هدىً للنّاس كقوله تعالى في سورة البقرة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى وَالْفُرْقَانِ ۚ) فكيف يكونُ هدىً للنّاس وهم لا يفهموه ليهتدوا بهداه والله قال عن القرآن هو هدىً للنّاس ولم يقل إنّ بعضَ نصوصِه يمكنُ للناس ان يهتدوا بها

وكذلك قال في سورة الاسراء (إِنَّ هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9))

وكذلك في سورة محمد أمر الله الكلّ بالتدبّر في القران ولم يقل يا أيّها العلماء وقال (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)) وقال في سورة النساء (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82))

فلم يخاطب فئة خاصة وإنّما خاطب كلّ النّاس بالتدبّر فيه ولو كان فهمهُ مخصوصاً لفئة دون اخرى لقال الذين لا يفهمونه كيف نتدبّر آياته ونصوصه ونحن لا نفهمه وكيف نبحثُ عن مواطن الاختلاف فيه ونحن لا نفهمه!

بل صرّحتِ الآيات أنّ القرآن مُتيسّر الفهم ونزل بلغة واضحة وصريحة كما في سورة القمر ({وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)} وقوله تعالى سورة الدخان (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)) وفي سورة مريم (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97))

الخامس : البعضُ يفهم من الرّوايات التي تحثّ على فهم القرآن من خلال أهل البيت لأنّهم هم القرآن النّاطق وهم ترجمان القرآن الصامت ، بأنّه لا يُمكن لغيرهم (صلوات الله وسلامه عليهم) فهمه فكيف يكون حجةً عليهم ! ويُرَدُّ عليهِ انّ أهل البيت فسّروا القرآن وقد وصَلَنا الكثير من تفسيرهم ووضعوا لنا قواعدَ عامةً لفهم الآيات منها إرجاعُ المتشابه الى المحكم ونسخُ النّاسخ للمنسوخ وغيرها وليس المقام لذكرها وهكذا لا تسقطُ حجيّة القرآن لمجرّد الجهل بحديث أهل البيت بعد أن كان الحديث ميسوراً مجموعاً في المجاميع الحديثيّة .

ودمتم سالمين.