موقف الشيعة الإمامية من زوجات النبي (ص) وصحابته.

عثمان/السعودية/: أنتم إخوتنا في الإنسانية والدين، إلا أنه ينقصكم الأدب مع صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وزوجاته (رضي الله عنهم)، فأنتم دائماً تنتقصونهم وتفسقونهم وتتهمونهم بالنفاق، وهذا جرحٌ لهم وطعنٌ فيهم، وهو مما يبطل الكتاب والسنة على قول أبي زرعة: (فإذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديقٌ ، وذلك أن الرسول عندنا حقٌّ ، والقرآن حقٌّ ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنّة أصحابُ رسول الله، وإنما يريدون أنْ يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة) فكفوا هداكم الله. 

: اللجنة العلمية

الأخ عثمان المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

إن القرآن الكريم هو أول من انتقص بعضاً من الصحابة وفسّق بعضاً آخر منهم، وصرّح بنفاق بعض، حيث قال تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (سورة التوبة 101)، وقد نَزَل قولُه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (سورة الحجرات 6) بإطباق أكثر المفسرين وأرباب أسباب النزول في الوليد بن عقبة.

ومنهم من ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائماً في مسجده يخطب الجمعة، وذهبوا وراء التجارة واللهو، فقال تعالى: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)(سورة الجمعة 11).

ومنهم من تواطأ على اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقَبة، وكان عددهم اثنا عشر، أو أربعة عشر، أو خمسة عشر رجلاً من الصحابة، قال تعالى: (وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا)(سورة التوبة 74)، وهذه الآية - بإطباق أكثر المفسرين - نزلتْ في هؤلاء عندما همّوا و أرادوا الفتك برسول الله. 

وقد صرّح القرآن كذلك بأن عائشة وحفصة صغتْ قلوبهما وتظاهرتا على النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم 4) إلى أنْ قال: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) (التحريم 10 - 11).

وقد هدّد القرآن الكريم زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهنّ صحابيّات بلا شك، فقال عزّ وجلّ في شأنهنّ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) (الأحزاب 30 - 31)، وهذا عين ما تقوله الإمامية من أن الجميع خاضعون للموازين الإسلامية دون استثناء، الصحابة وغيرهم، ونساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) وغيرهنّ .

ثم إنه ليس لجرح الشهود دخالةٌ في إبطال الكتاب والسُنّة، بل على العكس من ذلك، فلو قام المسلم بالتحقيق في حياة الصحابة وتحمّل العبء الثقيل فإنّما هو لفرط الاحتياط في أخذ معالم الدين، ومن غير الصحيح أنْ يُتهم من يريد التثبُّت في أمور دينه بالزندقة، وأنه أراد بذلك جرح شهود المسلمين لإبطال الكتاب والسنّة، إذ ليس الدين قائماً بهذا البعض من المجروحين ممن تستّروا على نفاقهم فلم يظهروه، وإن العقل والمنطق السليم يحثّ على البحث عن عدالتهم.

كما أنّ بعض الصحابة انتقصوا وسبّوا وجرحوا غيرهم من الصحابة، وخصوصاً الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا وجرحوا الإمام علي (عليه السلام)، وهو الأقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان على رأس الصحابة الذين أدّوا إلينا القرآن والسُنّة، وهو الأعلم بكتاب الله وسُنّة رسوله (صلى الله عليه وآله)، كما تظافرت على ذلك الروايات، إلا أنّ "أبا زرعة" لم يُزندِق أولئك الذين ظلوا ستين عاماً يشتمون ويلعنون عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) على المنابر، وبينهم عددٌ من الصحابة أمثال المغيرة بن شعبة، وإذا كان المبرِّر أنهم صحابةٌ اجتهدوا فأخطأوا وقد أُمرنا بالإمساك عما شجَر بينهم، فما تقول فيمن هو دون الصحابة ممن يبغض ويشتم ويسبّ الصحابة، مثل الناصبيّ عبد الله بن شقيق العُقيلي الذي يبغض ويشتم أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو من أكابر صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)  وعظمائهم، والذي جاء فيه على لسانه (صلى الله عليه وآله): (من سبّ علياً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله)(1)، فبماذا يا تُرى حَكم أبو زرعة وبقية أئمة المذاهب على هذا الناصبيِّ السابِّ لخيرةِ صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟

قالوا عنه: عبد الله بن شقيق العُقيلي، ناصبيٌّ، يبغض ويشتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال عنه أحمد بن حنبل: ثقة، وكان يحمل على عليّ .

وقال عنه يحيى بن معين: ثقة من خيار المسلمين، لا يُطعن في حديثه.

وقال عنه أبو حاتم : ثقة.

وقال عنه أبو زرعة الرازي: ثقة.

وقال عنه العجلي: ثقة.

وذكره ابن حبّان في الثقات.

وقال عنه الذهبي: ثقة، ناصبيٌّ.

وقال عنه ابن حجر: ثقة، فيه نصب.

وهل في التناقض أقبح من هذا ؟! ..

وها قد أريناك حقيقة الأمر، فما أنت قائلٌ ؟

لا أراك تستطيع أبداً أنْ تكتم هذا الخبْط والتناقض أو تكذِّبه، وهو ماثلٌ لك وللعيان في مصنَّفاتهم وطواميرهم، وما نقلتُ اقوالهم إلا ليعلم طالب الحق مَن هؤلاء؟ وما هم عليه ليميز الخبيثَ من الطيِّب والباطل من الحق والغثّ من السمين وليقفز في ذهنه هذا التساؤل:

 أوَ ليس عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من الصحابة؟ فكيف جاز مدح وتوثيق من سبه وشتمه ولم يُحكم بزندقته؟! أيجوز أخْذ أحكام الشريعة ممن حُكم عليه بالزندقة؟!

ثم ألا يعدّ سبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - وهو من كبار صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن الذين أدّوا إلينا القرآن والسُنّة – من الجرح الصريح لشهود المسلمين الذي يؤدي إلى إبطال الكتاب والسنّة على قول أبي زرعة ؟!

ومَن عاش أراه الدَّهْرُ عجباً!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) :أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8476)، وأحمد في مسنده (26748)، والهيثمي في  ((مجمع الزوائد)) صفحة 133/حديث رقم 133.