روايات مبتورة وأخرى منقولة من كتب العامة يريدون فيها إثبات الفضائل لرموزهم!!
وداد/الكويت/: تروي بعض كتبكم عن جعفر الصادق أنه قال لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر: أأتولاهما؟! قال: توليهما. فقالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟! قال لها: نعم. [روضة الكافي8/101]. وتروي كتبكم – أيضاً - أن رجلاً من أصحاب الباقر تعجب حين سمع وصف الباقر لأبي بكر رضي الله عنه بأنه الصديق، فقال الرجل: أتصفه بذلك؟! فقال الباقر: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الآخرة. [كشف الغمة 2/360]. فلماذا لا تتبعون أقوال أئمتكم؟
الأخت وداد.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن لا نحيد عمّا يقوله أئمتنا (عليهم السلام)، ففي اتباعهم النجاة من الضلال أبد الآبدين بمقتضى حديث الثقلين الصحيح المتواتر: (إنّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتى يَردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما) (صحيحُ سُنن التّرمذي للألباني برقم : 3788).
أما ما ذكرتموه من الروايتين عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تولي أبي بكر وعمر، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في وصف أبي بكر بالصديق، فنقول: للأسف أنتم إما لا تقرأون نصوص الروايات كلها حين تنقلون منها، أو تنقلون عمن يدلس عليكم ويغشكم في نقله عن الآخرين.
فالرواية الأولى التي نقلتموها هي رواية مبتورة تخالف تماماً لما ذهبتهم إليه، وإليكم تمام الرواية من مصدرها.
جاء في الكافي للشيخ الكليني (ج8 ص101) عن أبي بصير ما نصه: قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيسرّك أن تسمع كلامها؟ قال: قلت: نعم. قال: فأذن لها. قال: وأجلسني معه على الطنفسة. قال: ثم دخلت فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما، فقال لها: توليّهما. قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم. قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النوا وأصحابه يأمرني بولايتهما؛ فأيّهما خير وأحبّ إليك؟ قال: هذا والله أحبّ إليَّ من كثير النوا وأصحابه، إن هذا يُخاصَم فيقول: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون. انتهى.
فالرواية - كما ترين - تبين شيئاً غير الذي ذكرتيه، وعند التمعن فيها ومعرفة أجوائها ندرك أن هذه المرأة التي دخلت على الإمام الصادق (عليه السلام) وهي أم خالد، وكانت إمرأة صالحة، كما يشير إليه الخبر الصحيح المروي في مصادرنا.
فقد جاء في كتاب (اختيار معرفة الرجال، ص 242) للكشي: حدثني محمد بن مسعود، عن علي بن الحسن، قال: يوسف بن عمر هو الذي قتل زيداً وكان على العراق، وقطع يد أم خالد، وهي امرأة صالحة على التشيع، وكانت مايلة إلى زيد بن علي. انتهى.
أراد الإمام الصادق (عليه السلام) أن يبين لها من خلال حوار أجراه معها بحضور أبي بصير، المعروف بالجدل والرد على أهل الخلاف، أن تتولى من ليس على رأيها تقية، وأن تطوي قلبها على العقيدة الحقّة التي يرضاها الإمام الصادق (عليه السلام) ويحبها.
فالرواية في وادٍ، وما فهمتيه أو فهمه الذي تنقلين عنه في وادٍ آخر !!
هذا كله إذا قلنا بصحة الرواية، وأما إذا قلنا بضعفها، كما ذكر المجلسي في "مرآة العقول" ج5 ص 244، فالأمر أوضح من عدم حجيتها على الطرف الآخر.
أما الرواية الأخرى التي نقلتيها عن كتاب " كشف الغمة" للأربلي بأنّ الإمام الباقر (عليه السلام) وصف أبا بكر بالصديق، وقال: فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الآخرة.
نقول: هذه الرواية كان ينقلها الشيخ الأربلي عن كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي، حيث ذكر قبل أسطر منها: "وقال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي في كتاب صفوة الصفوة.."، ثم شرع بنقل الروايات التي يرويها ابن الجوزي وكان من ضمنها هذه الرواية.
فهي من هذه الناحية لا حجية لها، لأن مصدرها ليس شيعياً. هذا، فضلاً عن ضعف عروة بن عبد الله راوي هذه الرواية، لمحل مجهوليته عند رجال الشيعة، حيث لم يذكره أحد بتوثيق، فتكون الرواية المذكورة ضعيفة من جهتين:
1- المصدر الذي نقلت عنه، لأنه من مصادر أهل السنة وليس الشيعة.
2- جهالة الراوي عند رجال الإمامية، وبالتالي لا حجية فيها علينا مطلقاً؛ لأنّ الإحتجاج الصحيح يكون بمرويات صحيحة من كتب المخالف نفسها، لا بمرويات ضعيفة أو بمرويات يكون أصلها كتب غيره، فهذه لا قيمة لها ولا حجة في علم الخلاف.
ودمتم سالمين.
اترك تعليق