الدَّليلُ على عِصمةِ الأنْبِياءِ.

 عبدُ الوهَّابِ: (عِصْمةُ النَّبيِّ آدمَ علیه السلام).  بسم الله الرحمن الرحیم   قَال رسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): "إني تَاركٌ فيكم الثِّقلَينِ ما إن تَمسَّكتمْ بِهمَا لنْ تَضلُّوا: كتابَ اللهِ، وعِترَتي أهلَ بيتي".   سلامٌ علَيكم، وتَحيَّةً إيمَانيةً طَيبةً لَكم.   أخْبرَنا اللهُ سُبحانَه وتَعالی من خِلَالِ سُورِ کِتابِه المَجیدِ وآیاتِه المُبارکاتِ بِمَعْصیةِ أبي الأنْبیَاءِ آدمَ (ع) وکذلكَ أئمةُ أهلِ البیتِ (علیهم السلام) أشَارُوا إلی ذنْبهِ ومَعصِیتِه (علیه السلام)، منها ما قَال الإمَامُ عليٌّ (ع): "فبَاعَ اليَقينَ بِشكِّه، والْعزِيمةَ بِوهْنِه، واسْتبدَلَ بالجَذلِ وجَلاً، وبالإغْتِرارِ نَدَماً، ثم بَسطَ اللهُ سُبحانَه له في تَوبَتهِ". وقَال الإمامُ السجَّادُ (ع): "وَالْمُنِيبُ الَّذِي لَمْ يُصِرَّ عَلَى مَعْصِيَتِكَ، وَسآبِقُ الْمُتَذَلِّلِينَ بِحَلْقِ رَأْسِهِ فِي حَرَمِكَ، وَالْمُتَوَسِّلُ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ بِالطَّاعَةِ إلى عَفْوِك".   سؤال1: أُثبُتوا لنا من خِلالِ الثِّقلَینِ عِصْمةَ النَّبيِّ آدمَ (ع).   سؤال2: هل تَعتقِدونَ بالعِصْمةِ المَکانِیةِ أو الزَّمانِیةِ؟   فإنْ لم تُجِیبُوا ولنْ تُجِیبُوا، فاعْلمُوا أنَّ الإعْتقادَ والقَولَ بِعصْمةِ الأنْبِیاءِ (علیهم السلام) هو بِدْعةٌ أطْلقَها أصْحابُ مَدرَسةِ الخُلفاءِ واسْتهوَتْها الشِّیعةُ فأدْخلُوها في صَالونِ تَجمِیلِ الأفْکارِ فأخْرَجُوا لنا عِصمَةً مُطلَقةً وعِصمَةً غيرَ مُطلَقةٍ!! و... إلخ.   والقَارِئُ لآراءِ وتَنظِیرِ عُلمَاءِ الشِّیعةِ في مُعتَقدِ العِصمَةِ یَجِدُها في غَایةِ الإضْطِرابِ!!  شُكراً لَكم.

: اللجنة العلمية

 الأخُ عبدُ الوهَّابِ المحتَرمُ..السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه. 

 سَنُجِيبُك بالتَّفصِيلِ إنْ شاءَ اللهُ على سُؤالِكَ بَعدَ أنْ نُبيِّنَ جَانباً من المُغالَطاتِ التي وَقعْتَ فيهَا في كَلامِكَ.

 قَولُك: (أُثبُتُوا لنا من خِلالِ الثِّقلَینِ عِصْمةَ النَّبيِّ آدمَ (ع))، فيهِ مُغالَطةٌ وَاضِحةٌ؛ لأنَّ الخَاصَّ لا يَدلُّ على العَامِّ، فالذي يَتصوَّرُ زَيداً - مثلاً - الذي هو اسْمُ عَلمٍ لِشَخصٍ مُعيَّنٍ، لا يُمكِنُه أنْ يَتصوَّرَ كلَّ أفْرادِ المَعنَى العَامِّ (وهو الإنْسانُ) بِوَاسِطةِ هذا الملحُوظِ الخَاصِّ، مع أنَّه يُعَدُّ - هذا الملحُوظُ الخَاصُّ - أحَدَ أفْرادِه، أي أفْرادُ العَامِّ، ومن هُنا قَال أهْلُ العِلمِ باسْتحَالةِ (الوَضعُ الخَاصُّ والمَوضُوعُ له العَامُّ)، فَراجِعْ هذا المَطلَبَ العقْليَّ في محلِّهِ من عِلمِ الأُصُولِ والمَنطِقِ حتى تَعرِفَ محلَّ المُغالَطةِ في كَلامِك.

 نعم، يُمكِنُ إثبَاتُ عِصمَةِ آدمَ (عليه السلام) من خِلَالِ حَديثِ الثِّقلَينِ بِعُمومِ الصِّفةِ، أي بعدَ ثُبوتِ العِصْمةِ لمنْ وَردَ ذِكرُه في حَديثِ الثِّقلَينِ بِصفَةِ كَونِهم أئمةً وَجَبتْ طَاعَتُهمْ مُطْلقاً، تَثبتُ العِصْمةَ لِمنْ وَجَبتْ طَاعتُه مُطْلقاً كالأنبِياءِ ومنْهم آدمُ (عليه السلام)، وهو ما سُنوَضِّحُه لك عندَ ذِكرِنا لِلدَّليلِ العَقليِّ على عِصْمةِ الأنبِياءِ (عليهم السلام).

 قَولُك: (القَولُ بِعصْمةِ الأنبِیاءِ (علیهم السلام) هو بِدعةٌ أطْلقَها أصْحابُ مَدرَسةِ الخُلفَاءِ واسْتهْوَتها الشِّیعةُ)، فيه مُغالَطةٌ وَاضِحةٌ؛ لأنَّ البِدْعةَ في الإصْطلاحِ - عندَ الجَميعِ - هي إدخَالُ ما ليسَ من الدينِ في الدينِ، وبعدَ ثُبوتِ عِصْمةِ الأنبِياءِ بمَعنَاها العامِّ عندَ الجَميعِ (مَدرَسةُ الخُلفاءِ والشِّيعةُ باعْترافِك أنْت)، فَكيفَ تَكونُ بِدعةً وقد ثَبتَ عن صَاحبِ الدينِ نَفسهِ - النبيِّ الأقْدسِ (صلى الله عليه وآله وسلم) - أنَّه قَال: (لا تَجتَمِعُ أمَّتي على ضَلالةٍ)؟!!!

 ألَيسَ هذا ذُهولٌ منكَ عن مَعنى البِدعَةِ أولاً.. وعن أحَاديثِ صَاحبِ الدينِ ثانياً؟!! 

 ولعلَّ الإسْلامَ عندكَ غيرُ هؤلاءِ: مَدرَسةُ الخُلفاءِ والشِّيعةُ.. لم تَكن واضِحاً عندَنا حتى نُحاورَك بِأصُولِك وعَقيدَتك.. ولكنْ دعْوى البِدعةِ منك هنا لا تَستقِيمُ لمحلِّ الإجْماعِ من الأمَّة على ما ذَكرتَ بنَفسِك، ومع الإجْماعِ لا تتَحقَّق الضَّلالةُ مُطلقاً لقَول رسُولِ اللهِ (ص) المُتقدمِ، فلا يَكونُ القَولُ بِعصْمةِ الأنبِياءِ بِدعةً. 

 والآن هلمَّ مَعنا لإثباتِ عِصْمةِ الأنبِياءِ بالأدلَّةِ العقْليةِ:

 من الثَّابتِ عقلاً أنَّ الإعترَافَ بنُبوَّةِ نبيٍّ مَا لَازِمُه وُجوبُ إطَاعتِه وإلا لم يَكنْ هناكَ مَعنى للإعترافِ بالنُّبوةِ. 

 فإذا جازَ على النبيِّ الخَطأُ، والنَّاسُ المُتابِعونَ له لا يَعرِفونَ أنَّ ما يَقُولُه أو يَفْعلُه خَطأ، فَيكونُ هذا تَجويزٌ من اللِه بارْتكابِ الخَطأ، وهو مُحالٌ في الحِكمةِ الإلَهيةِ، فلا بدَّ أنْ يَكونَ النبيُّ مَعصُوماً من الخَطأ حتى لا يَقعَ المَحذُورُ المَذكُورُ.

 تَقُول: النَّبيُّ نَفسُه يُخبِرُهم في مَواردِ الخَطأ بأنَّه أخْطأَ في هذا المَورِدِ دُونَ ذاكَ.

 نَقُول: ومَنْ قَال لكَ إنَّه لم يخْطأْ أيْضاً في إخبَارِه هذا عن خَطأِهِ، لأنَّه غيرُ مَعصُومٍ حَسبَ الفَرْضِ، واحْتمالُ الخَطأِ وَاردٌ في حقِّهِ كَذلكَ، فلا يُمكِنُ الجَزمُ بِقَولِه، فَنقَعُ في المَحذُورِ المُتقدِّمِ، ولا يَنتِهي هذا المَحذُورُ إلا بالقَولِ بِعصْمتِه.

 دَلِيلٌ عَقلِيٌ آخرُ على عِصْمةِ الأنبِياءِ:

 لو لم يَكنِ النَّبيُّ مَعصُوماً عنِ الخَطأِ لاحْتاجَ إلى مَنْ يُسدِّدُه ويُوجِّهُه، وهذا المُسدِّدُ إما أنْ يَكُونَ مَعصُوماً أو لا، فإنْ كانَ مَعصُوماً فهُو النَّبيُّ إذنْ، وإنْ لم يَكُنْ فَنحْتاجُ إلى مَنْ يُسدِّدُه، فإنْ كانَ هذا المُسدِّدُ الثَّاني مَعصُوماً فهُو النَّبيُّ، وإنْ لم يكنْ نَحتاجُ إلى مُسدِّدٍ ثالثٍ وهكذا الأَمْرُ حتى يتسَلْسلَ، والتَّسلْسلُ باَطلٌ عقلاً، فلا بدَّ من ثُبوتِ العِصْمةِ للأنبِياءِ.

 كما تُوجَدُ أدلَّةٌ نقلِّيةٌ على كَونِ العِصْمةِ مُطلَقةً أجَبْنا عنْه في مُناسَبةٍ سَابِقةٍ، فَراجِعْ ما أفدْناه عن سَهوِ النَّبيِّ في المَوقِعِ.

 ودُمْتُم سَالِمينَ.