الرَّدُّ عَلَى دَعوَى الْمُسْتَشْرِقِينَ أنَّ الصَّابِئَةَ مِنْ مَصَادِرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
الشّبهة/: اِعتبرَ المُستشرقونَ الصّابئةَ مصدراً من مَصادرِ القرآنِ الكريم وذلك للتّشابهِ بينهما وبينَ ما جاءَ في القرآنِ من عَقائدَ وعباداتٍ ونُسُكٍ حيثُ قالوا إنَّ التّأثيرَ مِنَ الصّابئةِ إنتقلَ لمحمد (ص)، عِبرَ الوَسطِ الوَثني الذي عاش فيه محمد(ص)، وأخذَ منهُ كثيراً من طّقوسه الدينيّة فمثلاً في: 1- التّشابه بينَ الصّابئةِ والإسلامِ في الصّلاة. 2- التّشابه في الصّوم وارتقاب انتهائهِ وارتقاب الأعياد ببعضِ الكَواكِب. 3- التّشابه في الحَجّ والتّلبية وتَقديم القَرابين.
لا يَشُكّ أيّ أحَدٍ - مِمّنْ يُتابِع ما ذَكرَهُ المُستشرِقونَ- مِنْ أنّ هُنالِكَ غارةٌ تَنصيريّةٌ على القُرانِ والإسلام فإنّه لم يَكنْ الهدَفُ من الإستشراقِ هوَ دراسةُ كافّة البُنى الثّقافيّةِ للشّرق مِنْ وِجهَة نظرٍ غربيّة بل كانَ الهدَفُ مِنهُ هو الدّعوةُ للنّصرانيّة أو اليهوديّةِ مِنْ خِلالِ بَثّ الأكاذيبِ وتَزييّفِ الحَقائق وبَيانِ الواقع ليسَ على ما هو عليه ومِنْ هذا ما قالوهُ مِنْ أنّ الصّابئَةَ مَصدرٌ مِنْ مَصادرِ القرآنِ الكَريمِ وذلكَ للتّشابُه بَينهُما وبينَ ما جاءَ في القرآن من عقائدَ وعِبادات ولكنْ قبلَ أنْ نَرُدّ هذهِ الدّعاوي على مُدّعيها لِنتعرّفَ على الصّابئة فإنّهم على قِسمَين :الصّابئةِ الحرّانيّين وهُم مِنَ الوثنيّة ، والصّابئةِ المندائيّين، والمندائيّونَ يَدينونَ بِنبوّةِ كُلٍّ مِنْ آدمَ وشيث ونوح وسامَ وإدريسَ وإبراهيمَ ويحيى بن زكريّا عليهِمُ السّلام. وليسَ كَما قد يتوّهمُ أنّ نَبيّهم يحيى بن زكريا عليهما السّلام وقد جاء هذا الوَهمُ مِنْ تَعظيمِ الصّابئين للنّبيّ يحيى وإعتبارهِ نَبيّاً لهم أَنقذَهم من ضَلال اليَهوديّة، وقامَ بالمعموديّة، كما ذَكروا في القرآن الكريم في ثَلاثَةِ مواضِع:
1- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة، الأية ﴿62﴾.
2- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة المائدة، الأية ﴿69﴾.
3- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سورة الحج، الأية ﴿17﴾.
وقد قال السَّيّدُ الخوئي (قده) (والّذي يَقتضيهِ التّأمُّلُ في سِياقِ الآياتِ الكَريمةِ الّتي تَلوناها عليكَ، والتّدبّرَ في مَداليلِها هوَ الحُكمُ بكونِ الصّابئةِ مِنْ أهلِ الكتابِ، حالُهم في ذلكَ حالُ اليَهودِ والنّصارى والمَجوس، فإنّهم قُرِنوا في الآيتينِ الأولى والثّانية معَ أهلِ الكتابِ، وجُعِلوا في عِدادِ الّذين لَهُم أجرُهم عندَ رَبّهم ولا خوفٌ عليهِم ولا هُم يَحزنون إذا ما أخلصوا في دينِهم وعَمِلوا بما يَفرِضهُ عَليهم الواجِبُ الشّرعيُّ في ذلكَ الظّرف، فإنّ ذلكَ يَدلُّ وبِوضوحٍ على كَونِهم من أهلِ الكتابِ وأصحابِ الرّسالاتِ السّماويّةِ، خصوصاً أنّهم واليَهود والنّصارى والمجوس جُعِلوا في قِبال الّذين أشرَكوا في الآيةِ الثّالثة).
أمّا عَقائدُ الصّابئةِ المندائييّن فهُم بعدَ أنْ أثبَتنا أنّهم مِنْ أهلِ الكتابِ فشَأنُهم شَأنُ الدّياناتِ التّوحيديةِ التي تعتقدُ أنَّ اللهَ واحدٌ لا شَريكَ لَهُ أحَدٌ صَمَدٌ لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ لهُ كفؤاً أحد إلاّ أنّ عَقيدتَهم في النّبوّةِ تَختلفُ عنْ عقيدةِ المسلمين فالصّابئةُ المندائيّونَ يَرفضونَ نُبوّةَ أحدٍ مِنَ البَشر و مِنْ هذا القَبيل في نَظرِهم آدم و شيت و أدريس و يحيى (عليهم السلام)، فهُم لَيسوا أنبياءَ بالمفهومِ المعروفِ للنّبوّة عندَ أهلِ الأديانِ المُنزلَة، و إنّما هُم أناسٌ طهَّروا أنفُسهم حتّى توصّلوا بنوعٍ من الكَشفِ إلى المعارِفِ العُليا. هٰؤلاءِ هم المُعلّمون.. فإذا ما وَصفوهُم بالأنبياء فَهم إنّما يَقصدونَ ذلك، أي أنّهم مُعلّمونَ يَستمدّونَ مَعارِفَهم بطريقِ الكَشفِ لا بطريقِ الوَحي.
ولكنّ المسلمينَ يُقرّونَ أنَّ النّبوّةَ وظيفةٌ إلٰهيةٌ، وسِفارةٌ ربّانيةٌ، يَجعلُها الله تَعالى لمَن يَنتجِبهُ ويختارهُ مِنْ عبادهِ الصالحينَ وأوليائهِ الكاملين في إنسانيّتِهم، فيُرسلُهم إلى سائرِ النّاس لغايةِ إرشادِهم إلى ما فيهِ منافِعُهم ومصالِحُهم في الدّنيا والآخرة، ولغَرضِ تَنزيهِهم وتَزكِيَتِهم مِنْ دَرَنِ مَساوئ الأَخلاقِ ومَفاسدِ العاداتِ، وتَعليمِهم الحِكمةَ والمعرفةَ، وبَيانِ طُرُقِ السّعادةِ والخَير؛ لِتبلُغَ الإنسانيةُ كمالَها والقرانُ يُصرّحُ بوضوحٍ أنّ الأنبياءَ هم رُسلُ الله الى النّاس وأنّ ما يُبلّغوهُ للنّاس هوَ كلامُ الله وليسَ كَشفاً حَصلَ لَهم وقد يُترجِموهُ بكَلامٍ كما في سورة إبراهيم - آية 4 (وما أَرسَلنا مِنْ رّسولٍ الا بلسانِ قَومهِ لِيُبَيّن لهم فيضلُّ اللهُ مَنْ يشاء ويهدي مَنْ يشاء وهوَ العزيزُ الحَكيم)
وقوله تعالى في سورة الحديد - آية 25 (لقد أرسلنا رُسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهمُ الكتابَ والميزانَ ليقومَ النّاس بالقسطِ وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ ومنافعُ للنّاس ولِيعلمَ اللهُ مَنْ يَنصرهُ ورُسلَه بالغَيب إنّ اللهَ قوّيٌّ عزيز) فلمْ يَكنْ بينَهُم وبين َ المسلمينَ تَقاربٌ في عَقيدةِ النّبوّة وغيرِها مِنَ العَقائِد الّتي أحجَمنا عن ذِكرها إختصاراً لمقامِ السّؤال فكيفَ أخذَ مِنهُمُ القُرانُ العَقائدَ؟!
أمّا قولُ المُستشرقينَ أنّ هنالِكَ تَشابهاً في الطّقوسِ والعباداتِ بينَ الصّابئةِ والمسلمينَ وقد ذَكروا مِنها :
1- التّشابهُ بينَ الصّابئةِ والإسلامِ في الصّلاة.
2- التّشابهُ في الصّومِ وارتقابُ إنتهائهِ وارتقابُ الأعيادِ ببعضِ الكواكب.
3- التّشابهُ في الحَجّ والتّلبيَةِ وتَقديمِ القَرابين.
فهذا الكَلامُ ناتجٌ عنْ عَدَمِ فَهمٍ ودِرايةٍ بتعاليمِ الإسلامِ وعباداتهِ وكذلك تعاليمِ الصّابئةِ وعِباداتِهم.
أمّا صَلاةُ الصّابئةِ فهيَ تَختلفُ إختلافاً جَذريّاً في كَيفيّتِها عَن صَلاةِ المسلمينَ فإنّ صَلاةَ الصّابئةِ عبارةٌ عَنْ ذِكرٍ بلا سُجود وصَلاةُ المسلمينَ لها ذكرٌ خاصٌّ وكَيفيّةٌ مَعروفةٌ للجَميعِ فكيفَ يكونُ هنالكَ شِبهٌ بينَ الصّلاتين.
أمّا الصّيامُ عندَ الصّابئة على نَوعين: الصّوم الكَبير: ويَشملُ الصّومَ عن كَبائرِ الذّنوبِ والأخلاقِ الرّديئة، والصّومِ الصّغيرِ الّذي يَمتنعونَ فيهِ عَنْ أكلِ اللّحومِ المُباحةِ لهُم لمُدّة 32 يومًا مُتفَرّقةٍ على طُولِ أيّامِ السّنةِ، وهذهِ الكَيفيّةُ تَختلفُ إختلافاً جَذريّاً عن كَيفيّةِ صَومِ المُسلمين فإنّ الله أوجَبَ عليهم الصّيامَ في شَهرٍ واحدٍ في السّنةِ وهوَ شهرُ رَمضانَ يصومونهُ كاملاً متواصلاً .
أمّا الحَجّ عِندَهم فيُسمّىٰ مَراسيم التّعميد (مصباتا) كما في لُغتِهم الآراميّة وهوَ طَقسٌ لغُفرانِ الذّنوبِ وتَكفيرِ الخَطايا وأساسُ تَعميدِهم يَعتمدُ على الماء "الطّمس: طماشا"، والصّباغة "مصبُتا". الأوّل إرتماسٌ في الماء يقومُ به الشّخص بنفسهِ ويكونُ بعدَ الجَنابة أو مَسّ الميّت مثلاً. أمّا الثّاني فهوَ رسمٌ مُتكامِلٌ لا يجري إلاّ بمراسيمَ ومُتَطلّباتٍ مُتكامِلة.
والحَجُّ عندَ المسلمينَ هوَ حَجٌّ إلى مَدينةِ مَكَةَ في مَوسمٍ مُحدّدٍ مِنْ كُلّ عام، ولهُ شَعائرُ مُعيّنةٌ تُسمّى مَناسِكَ الحَجّ، وهوَ واجبٌ لمَرّةٍ واحدةٍ في العُمر لكلّ بالغ قادرٍ منَ المسلمين.
مِنْ كُلّ ذٰلكَ نجدُ أنّ هنالِكَ إختلافاً في بَعضِ العقائد وإختلافاً جَذريّاً في العِباداتِ بينَ الصّابئةِ والإسلام فكيفَ تكونُ الصّابئة مصدرًا مِنَ مَصادرِ القُران الكَريم؟!!
مالَكُم كيفَ تحكمون.
اترك تعليق