أُمُّ أحْمَدَ:
وَرَدَ فِي الحَدِيثِ أنَّ السَّيِّدَةَ الزَّهْرَاءَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) كَرِهَتْ حَمْلَ الحُسَيْنِ وَكَرِهَتْ وَضْعَهُ، وَأنَّهَا قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِي وَلَدٍ تَقْتُلُهُ الأُمَّةُ. وَالسُّؤَالُ هُوَ: كَيْفَ تَكْرَهُ حَمْلَهُ وَهِيَ المَعْصُومَةُ وَهُوَ المَعْصُومُ، وَهِيَ العَالِمَةُ بِأنَّ الذُّرِّيَّةَ مِنْ صُلْبِهِ بِعِلْمِ الغَيْبِ؟ هَذَا مَعَ الغَضِّ عَنْ المُنَاقَشَةِ السَّنَدِيَّةِ طَبْعًا، وَلَا يَنْفَعُ أنْ يُقَالَ بِأنَّ الكَرَاهَةَ بِمَعْنَى المَشَقَّةِ كَمَا قَالَ المُفَسِّرُونَ، لِأَنَّ العَرَبَ لَا يَقُولُونَ: كَرِهَتْ حَمْلَهُ بِمَعْنَى تَحَمَّلَتْ المَشَقَّةَ؟
الأُخْتُ أُمُّ أَحْمَدَ المُحْتَرَمَةُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
لَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهَا (عَلَيْهَا السَّلَامُ) كَرِهَتْ حَمْلَهُ وَوَضْعَهُ مِنْ جِهَةِ عِلْمِهَا بِأَنَّهُ سَيُقْتَلُ شَرَّ قَتْلَةٍ فِي كَرْبَلَاءَ، وَقَدْ فَسَّرَ هَذَا المَعْنَى الإِمَامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِوُضُوحٍ فِي الرِّوَايَاتِ.
رَوَى ابْنُ قَوْلَوَيْهٍ فِي (كَامِلِ الزِّيَارَاتِ)، بَابُ مَا نَزَلَ بِهِ جَبْرَائِيلُ فِي الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنَّهُ سَيُقْتَلُ: حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الوَشَّاءِ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أبِي سَلْمَةَ سَالِمِ بْنِ مُكْرِمٍ، عَنْ أبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ بِالحُسَيْنِ جَاءَ جَبْرَائِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَقَالَ: إنَّ فَاطِمَةَ سَتَلِدُ وَلَدًا تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَلَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ بِالحُسَيْنِ كَرِهَتْ حَمْلَهُ، وَحِينَ وَضَعَتْهُ كَرِهَتْ وَضْعَهُ، ثُمَّ قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): هَلْ رَأيْتُمْ فِي الدُّنْيَا أُمًّا تَلِدُ غُلَامًا فَتَكْرَهُهُ، وَلَكِنَّهَا كَرِهَتْهُ لِأنَّهَا عَلِمَتْ أنَّهُ سَيُقْتَلُ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ((وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا حَمْلَتَهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)). (كَامِلُ الزِّيَارَاتِ:122).
فَجِهَةُ الكَرَاهِيَةِ هِيَ لِمَعْرِفَتِهَا (عَلَيْهَا السَّلَامُ) بِأنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ البَائِسَةَ سَتَقْتُلُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا شَرَّ قَتْلَةٍ فِي رَمْضَاءِ كَرْبَلَاءَ، فَلَا تُوجَدُ أُمٌّ فِي الدُّنْيَا تَتَحَمَّلُ قَتْلَ وَلَدِهَا مَهْمَا بَلَغَتْ مِنْ العِصْمَةِ وَالعِلْمِ، فَالأُمُومَةُ قِوَامُهَا الرَّحْمَةُ لِأبْنَائِهَا وَحُبُّ سَلَامَتِهِمْ; فَإِذَا انْسَلَخَ هَذَا المَعْنَى عَنْهَا انْسَلَخَتْ أُمُومَتُهَا، خَاصَّةً فِي مَوْرِدِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الَّذِي مَا زَالَتْ فَاجِعَتُهُ تَبْكِي الدُّنْيَا مِنْ يَوْمِ حُصُولِهَا وَإِلَى الآنَ!!
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.